اضرب بطرفك حيث شئت من الناس ، فهل تبصر إلّا فقيرا يكابد فقرا ، أو غنيا بدّل نعمة الله كفرا ، أو بخيلا اتخذ البخل بحق الله وفرا ، أو متمردا عن سمع المواعظ وقرا ـ
أين خياركم وصلحاءكم ، وأحراركم وسمحائكم ، وأين المتورّعون في مكاسبهم ، والمتنزّهون في مذاهبهم ، أليس قد ظعنوا جميعا عن هذه الدنيا الدنية ، والعاجلة المنغّصة؟ وهل خلّفتم إلّا في حثالة لا تلتقي بذمهم الشفتان ، استصغارهم لقدرهم ، وذهابا عن ذكرهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ـ
ظهر الفساد فلا منكر مغيّر ، ولا زاجر مزدجر ، أفبهذا تريدون أن تجاوروا الله في دار قدسه ، وتكونوا أعزاء أولياءه عنده؟ هيهات! لا يخدع الله عن جنته ، ولا تنال مرضاته إلّا بطاعته ، لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له ، والناهين عن المنكر العاملين به» (الخطبة ١٢٩) «فلعن الله السفهاء لركوب المعاصي ، والحلماء لترك المناهي» (من الخطبة القاصعة).
أجل ، وإن سنة الله في هذه الأمم هي إهلاك ، إمّا بهلاك الاستئصال أو الانحلال والاختلال :
(وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ)(١١٧)
«بظلم» هنا تعني بظلم من القرى ، لا بظلم منه تعالى فإنه لا يظلم أبدا أهل القرى وأهلها مفسدون ، فإنما الظلم المهلك لأهل القرى يختص بما لم يكن أهلها مصلحين ، وهو أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض حيث يبقون القرى على ظلمها تخليصا عن الاستئصال حيث النهي عن الفساد استحصال للبقاء ، ثم الله ينتقم من الظالمين المصرين على الظلم وينجي المصلحين.
وقد تعني «بظلم» طليقة عن فاعل خاص ، كلّ ظلم ، من ظالمي أهلها ، ومن مصلحيها ، ثم ومن الله سبحانه ، فمثلث سلب الظلم قد