وهم أولاء الأنكاد البعاد «يثنون صدورهم ويستغشون ثيابهم» استخفاء من الله ومن رسول الله ومن كتاب الله كيلا تفاجأهم ذكراه.
ذلك ومن ثني صدور المنافقين أنهم كانوا إذا اجتمعوا مع بعضهم البعض تخافتوا بينهم في الكلام ، وحنوا ظهورهم تطامنا عند الحوار ، خوفا من رمق العيون ومراجم الظنون ، لوقوع ما يتفاوضونه في أسماع المسلمين ، فإذا انحنت ظهورهم أثنت صدورهم ، فأعلمنا الله أنهم وإن أغلقوا أبوابهم وأسدلوا أستارهم واستغشوا ثيابهم مشتملين عليها ، مدخلين رؤوسهم فيها ، فإنه تعالى يعلم غيب صدورهم ودخائل قلوبهم ومرامز أعينهم ومحاذق ألسنتهم.
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ)(٦).
(وَما مِنْ دَابَّةٍ) تحمل رزقها أو لا تحملها (فِي الْأَرْضِ) وسواها (إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٢٩ : ٦٠).
إذا ف (فِي الْأَرْضِ) قد تعني الحاضر في المسرح حيث المخاطبون هم في الأصل أهل هذه الأرض ، أم تعني كل أرض فيها دابة فتشمل ـ إذا ـ كل دابة في كلّ أرض ، كما وآية العنكبوت أطلقت الدابة ، ثم آية أخرى من هود تعممها إلى كل دابة : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥٦) فتشمل إلى دواب الأرض دواب السماء : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) (٤٢ : ٢٩).
وهنا (عَلَى اللهِ رِزْقُها) تعني أنه هو الذي يرزقها بأمره دون وسيط أم بوسيط ملائكي أم بشري أم عملي ، من محاولات الدواب التي تحمل رزقها أم لا تحملها.
فعلينا أن نسعى لأرزاقنا متوكلين على الله لا سواه ، وكما أمرنا الله في شرعته ، دون تذلل أمام فلان وفلان ، فإن الله تكفّل أرزاقنا من الإنس