يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)(٥).
نص جليّ عليّ يستعرض صورة عن حالة واقعة من الكافرين بهذه الرسالة السامية القرآنية ، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسمعهم كلام الله ، فيثنون هم صدورهم ، عطفا لها وطيّا وردّا لبعضها على بعض ، عناية لغلق أبواب النور إلى الصدور ، التي هي بطبيعة الحال الفطرية منفتحة إلى النور ، (يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) طلبا لخفاءهم عن جلية الآيات البينات ، ولكي لا يسمعوها حتى لا يعوها (يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) على رؤوسهم وآذانهم. ألا حين يستغشون ثيابهم ويثنون صدورهم ، ليستخفوا منه (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) بثني صدورهم (وَما يُعْلِنُونَ) باستغشاء ثيابهم و (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) لا تخفى عليه خافية ولا تعزب عنه عازبة.
ذلك ، وقد يعني (لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) استخفاء صدورهم من الله (١) الذي فطرهم على معرفته ، فاستخفاء عن نبي الله الذي دعاهم إلى طاعته (٢) وبالنتيجة استخفاء عن كتاب الله (٣) فهم (يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) هادفين ثالوث الاستخفاء ، ولكنه (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) من ذلك الثالوث السالوس المنحوس (وَما يُعْلِنُونَ) وهما له واحد في علمه (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) عليم أنه فطرها على معرفته بتوحيده ، عليم بثنيهم صدورهم استخفاء عما فطرهم عليه ، وعما دعاهم إليه من رسوله وكتابه ، ويا لها من رهبة غامرة وروعة باهرة حين يتصور الإنسان حضور ربه بكل محاضره ،
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٣٢٠ عن مجاهد في الآية قال : تضيق شكا وافتراء في الحق ليستخفوا منه قال : من الله إن استطاعوا.
(٢) المصدر عن عبد الله بن شداد بن الهاد في الآية قال : كان المنافقون إذ أمر أحدهم بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثنى صدره وتغشى ثوبة لكيلا يراه فنزلت ، وفي روضة الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام) أن المشركين كانوا إذا مروا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حول البيت طأطأ أحدهم ظهره ورأسه هكذا وغطى بثوبه حتى لا يراه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنزل الله هذه الآية.
(٣) المصدر عن قتادة في الآية : كانوا يحنون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب الله.