عيشة تحت نير الذل والظلم.
ثم المجتمع الذي يسود فيه الإيمان بالله ، تطبيقا لشرعة الله ، نجده لا يقاس في متاعه الحسن بالمجتمعات الرذيلة البعيدة عن الفضيلة ، حيث الضنك في العيشة تشملها كلها ، ولكن المؤمنين فيها ، المظلومين غير الظالمين ، هم مطمئنو القلوب بذكر الله ورضاه.
ومما يرتاح إليه المؤمنون المطمئنون بالله ووعوده ، العائشون مرضات الله ، أنه :
(إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٤).
«قدير» على إرجاعكم كما هو قدير على خلقكم في الأولى ، «قدير» على إيتاء كل ذي فضل فضله ، وإيتاء كل ذي رذل رذله ، قدير على كل ما وعده الصالحين والطالحين ، وهذا من المتاع الحسن.
وترى (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) تعني ـ فقط ـ رجوعنا بالموت إلى عالم الجزاء؟ كما يختصه القشريون به! أم رجوعنا بكامل التكامل إلى عالم الربوبية ، كأمواج البحر التي هي راجعة إلى البحر نفسه كما يتقوله القائلون بالفناء في الله؟ وهو رجوع فيه وهنا رجوع إليه!.
إنه رجوع دائب إلى الله معرفيا وعبوديا ، كما ابتدأنا وأبدع فينا فطرت التوحيد والعبودية ، وكما تعنيه (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ).
والرجوع إلى الله اثنان ثانيهما رجوع إليه باختيار ، محاولة بكافة المساعي الميسّرة للوصول إلى جناب مرضاته ، وليس إلى ذاته أو صفاته ، وأولهما كوننا في قبضته رغم اختيارنا ، ثم في قبضة الموت.
وهنا (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) تعني الرجوعين ، إخبارا عما ليس فيه اختيار ، وإنشاء لما فيه اختيار ، فليكن الإنسان دائب السلوك إلى ربه دونما غفوة ولا فترة ، مهاجرا إلى الله على أية حال ، في كل حلّ وترحال.
(أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ