لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٥) هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦)
(وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٣٧).
(ما كانَ) هنا ـ وأيا كان ـ تضرب السلب المؤكد إلى أعماق الماضي وغيره من مثلث الزمان ، ف (ما كانَ) سلب لإمكانية هذه الكينونة للقرآن إذ يستحيل هكذا كلام منضد من الحق الطليق من غير الله ، لأن من سوى الله أيا كانوا وأيان هم لا يحيطون علما بكل شيء ، والقرآن يحمل هذه الحيطة المطلقة المطبقة دون أي نقص أو إمكانية نقص في أدب اللفظ أو حدب المعنى.
فكما أنه ما كان الله ليصبح مألوها ، كذلك ما كان كلام الله : القرآن ليصبح كلام مألوه ، وهذا من القضايا التي قياساتها معها ، فالقرآن هو بنفسه برهان لا مرد له على ربانية مصدره وصدوره دون حاجة إلى برهان سواه. ف (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (١٣ : ٤٣) حيث (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٤ : ١٦٦).
فالله نفسه هو الذي يشهد بكتابه على رسالته الربانية ، فإن علمه البارع وحكمته البالغة باهرة في آياته ، ظاهرة في بيناته ، فلا بينة أبين ولا برهان أمتن على الله ورسالاته من هذا القرآن العظيم والتبيان الحكيم ، وكأن الله جاء بنفسه إلى المكلفين بهذا القرآن وكما (لَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٧ : ٥٢) إذ تعني جئنا إليهم بكتاب ، فمجيء الكتاب كأنه مجيء الله ، فلو أمكن مجيء الله إليهم بنفسه سبحانه لما زادهم حجة على حجة الكتاب إذ جمع فيه كافة الحجج البالغة الدالة على الحقائق المعنية في حقول المكلفين.