ف (ما كانَ) هنا بالنسبة للقرآن تنفي شأنية فريته من دون الله وإمكانيتها ، دون فعليته فقط ، فليس بالإمكان في مثلث الزمان أن يفترى هذا القرآن من دون الله لميّزته الربانية المتميزة عن الميزات الخلقية ، (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من كتاب لوحدة المصدر وتشابه الصادر قرآنا بغير قرآن مهما يربو القرآن على سواه في ربانية المصدر والصدور.
ولما ذا (بَيْنَ يَدَيْهِ) وهو بعد كل كتاب وخلفه ، حيث القرآن ناظر إليها ناظرة الهيمنة (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ..) (٥ : ٤٨).
فليس القرآن كسائر الكتب الخلقية مدبرا عما سلفه من كتاب ، ناقضا له ، بل هو مصدق للوحي كله قبله ، ومكمل له ومهيمن حفيظ عليه عمّا حرف ودسّ فيه بأيد أثمية لئيمة.
ثم (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ) الحكيم عند الله ، والحكيم الذي أنزله على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة القدر ، فإنه (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (١١ : ١) فكما الكتاب الحكيم هو عنده ومنه كذلك (تَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) : الكتاب من رب العالمين ، وتفصيل الكتاب من رب العالمين ، وتصديق الذي بين يديه من رب العالمين.
وقد يعني «الكتاب» بما عنى ، طليق الكتاب النازل على رسل الله ومنه النازل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة القدر ، فالقرآن المهيمن عليها يحمل تفصيلا لها ، تفصيلا لمحكم القرآن عن إحكامه ، وتفصيلا لما أبهم من الوحي قبله ، وتفصيلا لحقه عن الباطل المدمج فيه ، وتفصيلا لثابته عن منسوخه ، إذا فالقرآن يحمل حصيلا من ذلك التفصيل التحصيل ، ليس بعده تفصيل ولا تحصيل ، اللهم إلّا ما تشرحه السنة المحمدية (صلى الله عليه وآله وسلم) دونما أي نسخ أو تبديل.
ذلك ، وكيف «ما كان أن يفترى» وقد افتري عليه أنه من دون الله