وليس من الله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) (١١ : ١٣)؟.
(ما كانَ) هنا مثل (لا رَيْبَ فِيهِ) لا تنفي فرية الافتراء ، وإنما تنفي أهلية الفرية فيه ، فالذين يفترون عليه أنه مفترى هم خارجون عن حقل العقل والفطرة الإنسانية والمعرفة الكتابية ، فليس الافتراء هو المنفي ، بل المنفي هو جوازه وإمكانيته عقليا ، طالما يتقول مجاهيل أنه مفترى :
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٣٨).
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٤٢ : ٢٤) وهذه هي قضية الحفاظ على صالح الوحي والذود عن ساحته ، الطالح المدعى ، حيث السكوت أمام الفرية إما جهالة أو عجز أم خيانة تعالى الله عنها علوا كبيرا : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) (٦٩ : ٤٤ ـ ٤٧) فمن هذا الذي يحجز عن أخذي باليمين وقطعي بالوتين؟ وإجرام الافتراء ليس إلّا علي وها أنا بريء منه كما ترونني : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) (١١ : ٣٥) (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٤٦ : ٨) (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ..) (٣٢ : ٣)!.
فما الفرية على القرآن أنه فرية على الله إلا فرية على الله أنه جاهل أو عاجز أو بخيل أن يذود عن ساحة وحيه ، ومفترى عليه ، وحتى المشرك بالله ليس ليقوله على الله فأنى تؤفكون؟.
وهنا حجة تعجيزية على قولة الفرية (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) وكما في البقرة (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) لا فحسب أنتم العرب العرباء بل (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنه مفترى على الله.