(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ. وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (٤٢ : ٨).
ذلك ، ولأن الناس أمم في شرائع الله ، وأمم في إختيار الخير والشر على أية حال ، إذا ف (لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) توحيدا لله وإشراكا بالله ، ثم وأهل التوحيد (لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) تصديقا للشرعة الكتابية وتكذيبا ، ثم المصدقون لها مختلفون في ناسخها ومنسوخها ، ثم الأمة الأخيرة مختلفون في مذاهب شتى أيادي سبا ، ف (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) بشتى الخلافات وشتاتها (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) وكما (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٢ : ٢١٣).
ذلك ، فالاختلاف عن الدين الحق وفي الدين الحق ليس إلّا بغيا بعد مجيء البينات لإيضاح الحق ، ف (مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) هم الذين هداهم الله في خضم الخلافات إلى الحق المرام (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) وذلك هو الوحدة والرحمة والهداية وكما قال : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٥١ : ٥٦) عبادة كما يشاء ويرضى وهي الهدى والرحمة المعنية لهم.
وقول القائل : «ذلك» المذكر ليس ليشير إلّا إلى مذكر هو الإختلاف المستفاد من «مختلفين» دون الرحمة المستفادة من (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) فقد خلقنا الله للاختلاف ، وكما حصل ذلك ببعث النبيين!.
إنه قول غائل مردود لفظيا ومعنويا ، فلفظيا نقول : ليست الرحمة مؤنثا حقيقيا حتى تستحق أداة التأنيث في ضمير راجع إليه أو إشارة وكما في (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٧ : ٥٦) و (هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) (١٨ : ٩٨). ثم «الرحمة» هي أقرب المرجعين فهي أحرى