(لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٢٤ : ٥٥) ـ
(وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ. إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ. وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (٢١ : ١٠٥).
هذه وآيات أخرى في مغزاها فصلنا البحث حولها في مجالاتها في هذا الفرقان.
ذلك ، وفي تأجيل عاجل العذاب المستحق حكمة ربانية عالية ، فكم يؤمن من هؤلاء الموعودين الموعوظين ويحسن إيمانهم حيث أبلوا أحسن البلاء ، وكم يولد لهم من ذرية ناشئة في الإيمان.
(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ)(١٠).
هذه طبيعة «الإنسان» الرذيلة ، البعيدة عن الفضيلة ، فهو الغرير القرير بنفسه الشرّير ، فحين تنزع منه رحمة أذاقها الله إياه (إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ) يأسا من رحمته المستقبلة ، وكفرانا بما كانت له (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) يحسب أنه يستحقها و (لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي) على سيئاته ، وقولته هذه منها (إِنَّهُ لَفَرِحٌ) برحمته «فخور» بنفسه على نحسه!.
وهذه استعارة بالغة لأن إذاقة الرحمة ونزعها ليسا بحقيقة هاهنا ، وإنما المعني منها هنا أنا إذا رحمنا الإنسان بعد توبته من مواقعة بعض الذنوب فقبلنا متابه ومآبه ، وأسقطنا عقابه ، ثم واقع بعد ذلك ذنبا آخر ، واستحق العقوبة وإزالة الرحمة ، يئس من الرحمة وقنط من المغفرة ، وهو خالط في ذلك ، غالط هالك ، لأنه إذا عاود الإقلاع أمن الإيقاع.
فقد أخرج هذا النص مخرج الذم لمن يواقع خطيئة فيقنط من قبول التوبة.