ويجعلانه بين عينيه ثمّ يقيمانه قائماً في بطن أمه قال فربما عتا فانقلب ولا يكون ذلك الا في كل عات أو مارد وإذا بلغ أوان خروج الولد تاماً أو غير تام أوحى الله تعالى إلى الرحم ان افتحي بابك حتّى يخرج خلقي إلى أرضي وينفذ فيه أمري فقد بلغ أوان خروجه قال فتفتح الرّحم باب الولد فيبعث الله عزّ وجلّ إليه ملكاً يقال له زاجر فيزجره زجرة فيفزع منها الولد فينقلب فيصير رجلاه فوق رأسه ورأسه في أسفل البطن ليسهّل الله على المرأة وعلى الولد الخروج قال فإذا احتبس زجره الملك زجرة اخرى فيفزع منها فيسقط الولد إلى الأرض باكياً فزعاً من الزجرة.
أقول : قوله ان يخلق النطفة أي يخلقها بشراً تاماً وقوله وما يبدو له فيه أي ما يبدو له في خلقه فلا يتمّ خلقه بأن يجعله سقطاً وقوله حرّك الرجل يعني بإلقاء الشهوة عليه وإيحاؤه سبحانه إلى الرّحم كناية عن فطره إيّاها على الإطاعة طبعاً فتردد بحذف احدى التّائين أي تتحوّل من حال إلى حال يقتحمان يدخلان بعنف والروح القديمة كناية عن النفس النباتية وفي عطف البقاء على الحياة دلالة على أن النفس الحيوانية مجرّدة عن المادة باقية في تلك النشأة وان النفس النباتية بمجرّدها لا تبقى وقد حققنا معنى البداء في كتابنا الموسوم «بالوافي» وقرع اللوح جبهة أمه كأنّه كناية عن ظهور أحوال أمه وصفاتها وأخلاقها من ناصيتها وصورتها التي خلقت عليها كأنها جميعاً مكتوبة عليها وإنّما يستنبط الأحوال التي ينبغي أن يكون الولد عليها من ناصية أمه ويكتب ذلك على وفق ما ثمّة للمناسبة التي تكون بينه وبينها وذلك لأن جوهر الروح إنّما يفيض على البدن بحسب استعداده وقبوله إياه واستعداد البدن تابع لأحوال نفسي الأبوين وصفاتهما وأخلاقهما لا سيما الأم المربية له على وفق ما جاء به من ظهر أبيه فناصيتها مشتملة على أحواله الأبوية والأمية أعني ما يناسبهما جميعاً بحسب مقتضى ذاته وجعل الكتاب المختوم بين عينيه كناية عن ظهور صفاته وأخلاقه من ناصيته وصورته التي خلق عليها وانه عالم بها وقتئذ بعلم بارئها بها لفنائه بعد وفناء صفاته في ربّه لعدم دخوله بعد في عالم الأسباب والصفات المستعارة والاختيار المجازي ولكنه لا يشعر بعلمه فان الشعور بالشيء أمر والشعور بالشعور أمر آخر والعتوّ الاستكبار ومجاوزة الحدّ ويقرب منه المرود لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إذ لا يعلم غيره جملة ما يعلمه ولا يقدر على مثل ما يفعله الْعَزِيزُ في جلاله الْحَكِيمُ في أفعاله.