فيه وهذا حقيقة اللوح وحده وروحه فإن كان في الوجود شيء يستطر بواسطة نقش العلوم في ألواح القلوب فأخلق به أن يكون هو القلم فان الله تعالى قال : (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) بل هو القلم الحقيقي حيث وجد فيه روح القلم وحقيقته وحدّه من دون أن يكون معه ما هو خارج عنه وكذلك الميزان مثلاً فإنّه موضوع لمعيار يعرف به المقادير وهذا معنى واحد هو حقيقته وروحه وله قوالب مختلفة وصور شتّى بعضها جسماني وبعضها روحاني كما يوزن به الأجرام والأثقال مثل ذي الكفتين والقبان وما يجري مجراهما وما يوزن به المواقيت والارتفاعات كالأسطرلاب وما يوزن به الدواير والقسي كالفرجار وما يوزن به الأعمدة كالشاقول وما يوزن به الخطوط كالمسطر وما يوزن به الشعر كالعروض وما يوزن به الفلسفة كالمنطق وما يوزن به بعض المدركات كالحس والخيال وما يوزن به العلوم والأعمال كما يوضع ليوم القيامة وما يوزن به الكل كالعقل الكامل إلى غير ذلك من الموازين.
وبالجملة : ميزان كل شيء يكون من جنسه ولفظة الميزان حقيقة في كل منها باعتبار حدّه وحقيقته الموجودة فيه وعلى هذا القياس كل لفظ ومعنى.
وأنت إذا اهتديت إلى الأرواح صرت روحانياً وفتحت لك أبواب الملكوت وأهلت لمرافقة الملأ الأعلى وحسن أولئك رفيقاً فما من شيء في عالم الحس والشهادة الا وهو مثال وصورة لأمر روحاني في عالم الملكوت وهو روحه المجرد وحقيقته الصرفة وعقول جمهور الناس في الحقيقة أمثلة لعقول الأنبياء والأولياء فليس للأنبياء والأولياء أن يتكلموا معهم إلّا بضرب الأمثال لأنّهم أُمروا أن يكلموا الناس على قدر عقولهم وقدر عقولهم انهم في النوم بالنسبة إلى تلك النشأة والنائم لا ينكشف له شيء في الأغلب إلّا بمثل ، ولهذا من كان يعلم الحكمة غير أهلها رأى في المنام أنّه يعلق الدر في أعناق الخنازير ، ومن كان يؤذن في شهر رمضان قبل الفجر رأى أنّه يختم على أفواه الناس وفروجهم. وعلى هذا القياس وذلك لعلاقة خفية بين النشآت فالناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا وعلموا حقائق ما سمعوه بالمثال وعرفوا أرواح ذلك وعقلوا أن تلك الأمثلة كانت قشوراً ،