قال الله سبحانه : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً) فمثّل العلم بالماء والقلوب بالأودية والضلال بالزبد ثمّ نبه في آخرها فقال : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) فكل ما لا يحتمل فهمك فإن القرآن يلقيه إليك على الوجه الذي كنت في النوم مطالعاً بروحك للوح المحفوظ ليتمثل لك بمثال مناسب ذلك يحتاج إلى التعبير فالتأويل يجري مجرى التعبير فالمفسر يدور على القشر ولما كان الناس إنّما يتكلمون على قدر عقولهم ومقاماتهم فما يخاطب به الكل يجب أن يكون للكل فيه نصيب فالقشرية من الظاهريين لا يدركون إلّا المعاني القشرية كما أن القشر من الإنسان وهو ما في الإهاب والبشرة ومن البدن لا ينال الا قشر تلك المعاني وهو ما في الجلد والغلاف من السواد والصور وأمّا روحها وسرها وحقيقتها فلا يدرك الا أولوا الألباب وهم الراسخون في العلم وإلى ذلك أشار النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم في دعائه لبعض أصحابه حيث قال اللهمّ فقهه في الدين وعلمه التأويل ولكل منهم حظ قل أم كثر وذوق نقص أو كمل ولهم درجات في الترقي إلى أطوارها وأغوارها وأسرارها وأنوارها وأمّا البلوغ للاستيفاء والوصول إلى الأقصى فلا مطمع لأحد فيه ولو كان البحر مداداً لشرحه والأشجار اقلاماً (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً).
وممّا ذكر يظهر سبب اختلاف ظواهر الآيات والأخبار الواردة في أصول الدين وذلك لأنّها ممّا خوطب به طوائف شتّى وعقول مختلفة فيجب أن يكلم كل على قدر فهمه ومقامه ومع هذا فالكل صحيح غير مختلف من حيث الحقيقة ولا مجاز فيه أصلاً.
واعتبر ذلك بمثال العميان والفيل وهو مشهور وعلى هذا فكل من لم يفهم شيئاً من المتشابهات من جهة أن حمله على الظاهر كان مناقضاً بحسب الظاهر لأصول صحيحة دينية وعقائد حقة يقينية عنده فينبغي أن يقتصر على صورة اللفظ لا يبدلها ويحيل العلم به إلى الله سبحانه والراسخين في العلم ثمّ يرصد لهبوب رياح الرحمة من عند الله تعالى ويتعرض لنفحات أيّام دهره الآتية من قبل الله