إن الله تعالى يقول لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ. وقال : لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً. وقال : لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ. قال بعض أهل المعرفة ما ملخصه : إن العلم بالشيء اما يستفاد من الحس برؤية أو تجربة أو سماع خبر أو شهادة أو اجتهاد أو نحو ذلك ومثل هذا العلم لا يكون الا متغيراً فاسداً محصوراً متناهياً غير محيط لأنّه إنّما يتعلق بالشيء في زمان وجوده علم وقبل وجوده علم آخر وبعد وجوده علم ثالث وهكذا كعلوم أكثر الناس وأمّا ما يستفاد من مبادئه وأسبابه وغاياته علماً واحداً كلياً بسيطاً على وجه عقلي غير متغير فانه ما من شيء الا وله سبب ولسببه سبب. وهذا إلى أن ينتهي إلى مسبب الأسباب وكل ما عرف سببه من حيث يقتضيه ويوجبه فلا بدّ أن يعرف ذلك الشيء علماً ضرورياً دائماً فمن عرف الله تعالى بأوصافه الكمالية ونعوته الجلالية وعرف أنه مبدأ كل وجود وفاعل كل فيض وجود وعرف ملائكته المقربين ثمّ ملائكته المدبرين المسخرين للأغراض الكلية العقليّة بالعبادات الدائمة والنسك المستمرة من غير فتور ولغوب الموجبة لأن يترشح عنها صور الكائنات كل ذلك على الترتيب السببي والمسببي.
فيحيط علمه بكل الأمور وأحوالها ولواحقها علماً برياً (بريئاً خ ل) من التغيير والشك والغلط فيعلم من الأوائل الثواني ومن الكليات الجزئيات المترتبة عليها ومن البسائط المركبات ، ويعلم حقيقة الإنسان وأحواله وما يكملها ويزكيها ويسعدها ويصعدها إلى عالم القدس وما يدنسها ويرديها ويشقيها ويهويها إلى أسفل السافلين علماً ثابتاً غير قابل للتغيير ولا محتمل لتطرق الريب فيعلم الأمور الجزئية من حيث هي دائمة كلية ومن حيث لا كثرة فيه ولا تغيير وإن كانت هي كثيرة متغيرة في أنفسها وبقياس بعضها إلى بعض وهذا كعلم الله سبحانه بالأشياء وعلم ملائكته المقربين وعلوم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام بأحوال الموجودات الماضية والمستقبلة وعلم ما كان وعلم ما سيكون (يكون خ ل) إلى يوم القيامة من هذا القبيل فانه علم كلي ثابت غير متجدد بتجدد المعلومات ولا متكثر