البعداء ولعله ممّا برز وظهر لم يصل إلينا الأكثر ، لأنّ رواته كانوا في محنة من التقية وشدة من الخطر وذلك بأنّه لما جرى في الصحابة ما جرى ، وضل بهم عامة الورى ، أعرض الناس عن الثقلين وتاهوا في بيداء ضلالتهم عن النجدين الا شرذمة من المؤمنين فمكث العامّة بذلك سنين وعمهوا في غمرتهم حتّى حين ، فآل الحال إلى أن نبذ الكتاب حَمَلته وتناساه حفظته ، فكان الكتاب واهله في الناس وليسا في الناس ومعهم وليسا معهم ، : لأن الضلالة لا توافق الهدى وإن اجتمعا ، وكان العلم مكتوماً واهله مظلوماً لا سبيل لهم إلى إبرازه إلا بتعميته وإلغازه ، ثمّ خلف من بعدهم خلف غير عارفين ولا ناصبين لم يدروا ما صنعوا بالقرآن ، وعمن أخذوا التفسير والبيان ، فعمدوا إلى طائفة يزعمون انهم من العلماء ، فكانوا يفسرونه لهم بالآراء ويروون تفسيره عمّن يحسبونه من كبرائهم ، مثل : أبي هريرة وأنس وابن عمر ونظرائهم. وكانوا يعدّون أمير المؤمنين عليه السلام من جملتهم ويجعلونه كواحد من الناس ، وكان خير من يستندون إليه بعده ابن مسعود وابن عبّاس ممن ليس على قوله كثير تعويل ولا له إلى لباب الحق سبيل ، وكان هؤلاء الكبراء ربما يتقوّلونه من تلقاء أنفسهم غير خائفين من مآله وربما يسندونه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ومن الآخذين عنهم من لم يكن له معرفة بحقيقة أحوالهم لما تقرر عنهم أن الصحابة كلهم عدول ولم يكن لأحد منهم عن الحق عدول ، ولم يعلموا أن أكثرهم كانوا يبطنون النفاق ويجترون على الله ويفترون على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في عزة وشقاق ، هكذا كان حال الناس قرناً بعد قرن فكان لهم في كل قرن رؤساء ضلالة ، عنهم يأخذون وإليهم يرجعون ، هم بآرائهم يجيبون وإلى كبرائهم يستندون وربما يروون عن بعض أئمة الحق في جملة ما يروون عن رجالهم ولكن يحسبونه من أمثالهم. فتبّاً لهم ولأدب الرواية ، إذ ما رعوها حق الرعاية ، نعوذ بالله من قوم حذفوا محكمات الكتاب ونسوا الله ربّ الأرباب راموا غير باب الله أبواباً ، واتخذوا من دون الله أرباباً ، وفيهم أهل بيت نبيهم وهم أزمة الحق وألسنة الصدق وشجرة النبوّة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط