القرآن «بلاغ» و (الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) (٦ : ١٤٩) ورسول القرآن بلاغ (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٢٤ : ٥٤) كما وهو حجة بالغة ، فالدعوة القرآنية بلاغ في بعدي المدعو به والداعية.
وترى «بلاغ» فقط في الحقل العلمي والمعرفي؟ كلا! بل (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) نذارة نفسية وعملية ، تذرعا لبلاغ العلم الى بلاغ العقيدة والعمل ، كقاعدة اساسية هي رأس الزاوية لهذا البلاغ. ف (لِيُنْذَرُوا بِهِ) هي من اهداف البلاغ ، والواو هنا تعطف الى محذوف معروف من نفس البلاغ ، ف (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) ليعلموه وليصدقوه ثم (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا .. وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ).
وهذه الزوايا الثلاث نذارة وعلما وتذكرا هي الغاية القصوى من (بَلاغٌ لِلنَّاسِ) علميا وتصديقيا وتطبيقيا.
ثم (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) قياما لعمودي العلم والعمل على قاعدة توحيدية عريقة تتبنى الحياة كلها في كل حقولها هي (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) فانها ليست مجرد عقيدة مستكنة في الضمائر ، فانما البلاغ الصالح للدعوة القرآنية المحمدية ، هو دمج التوحيد في كل شؤون الحياة ، آفاقية وانفسية أماهيه ، كروح تعمل بين الجوارح والجوانح ، في الأرواح والأشباح.
ثم وفي قمة التأثير لهذا البلاغ (وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) فبعد ما أخذ ناس من هذا البلاغ ـ بتصديقه عقيديا وعمليا ـ لبّا ، فهذا البلاغ يزيدهم لبا على ألبابهم فيذكروا لباب الذكر.
وكما نرى هذه الآية الختامية لهذه السورة تنعطف الى آيتها الاولى ، محلّقة معها على أجواء السورة كلها ، ومختصرة لها والقرآن كله في النذارة والعلم والتذكار ، على محور التوحيد ، والله على ما نقول شهيد.