(بِلِسانِ قَوْمِهِ) قد لا تعني لغة قومه مهما شملت لغتهم ، وانما هو البيان الذي يفهمون ، سواء أكان بلغتهم ام ترجمة لها إليها ، فانما المعنى المستفاد منها هو الواضح المبين ، الساذج الناضح المناسب لافهامهم.
فقد تكون الرسالة بلغتهم ولكنها مغلقة غير مفهومة ، تعبيرا ام معبرا عنه ، حيث لا توافق حاجياتهم مهما فهموها ، ام توافق ولكنهم ليسوا ليفهموها ، فهذه الرسالة هي بلغتهم وليست بلسانهم.
واما الرسالة بلسانهم ، فهي المفهومة لديهم وان بوسيط الترجمان ، المقبولة لديهم حيث يناسب حاجاتهم ، وكما نرى في هذه الرسالة السامية (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) (١٩ : ٩٧) (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٤٤ : ٥٨) فالتبشير والإنذار والتذكار ليست على أساس اللغة في متهافت حالاتها ودلالاتها ، وانما هو «لسانك» : لسان القرآن : عربي مبين ، بلسان نبي القرآن ، لسان ميسّر تذكارا وتبشيرا وإنذارا لمن يتحرى عن الهدى ، ولا يتردى في الهوى.
فقد نزل القرآن بلسان قوم الرسول الخاتم ، وهم مختلف الأقوام بمختلف اللغات والافهام في طول الزمان وعرض المكان ، فكل من يبلغه القرآن ببيان نبي القرآن يتذكر به وينذر ويبشّر ، إلّا من استحب الحياة الدنيا على الآخرة فاستحب الكفر على الايمان واتبع هواه وكان أمره فرطا (يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً).
فليس لسان هذه الرسالة ان يخاطب كل قوم بلغتهم ، وانما بلسانهم الذي يفهمون ، ان عربيا فبنفسه ، وان أعجميا فبترجمته او ترجمانه ، ثم وعلى كافة المرسل إليهم ان يتعلموا لغة القرآن ، لكيلا يحيدوا عما يحويه ، في ترجمة زائفة ام ترجمان زائغ ، مهما كان التقليد للأورع الأعلم فيه الكفاية لمن لم يتعلم ، ام تعلم اللغة ولم يمعن في معانيها ومطاويها.