ولأن «قومه» أخص من «أمته» فقد يعني المحطّة الأولى لدعوة كل رسول ، وهو بطبيعة الحال قومه الذين نشأ منهم ونما فيهم ، (بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) ثم هم يحملون ما بيّن لهم لسواهم بنفس اللغة لأهلها ، وترجمة لها لسواهم ، فالبيان ـ إذا ـ عام موقفه الاوّل قوم كل رسول.
ثم وليس من المفروض ان يدعو الرسول كل المرسل إليهم بنفسه ، فانها دعوة مستحيلة ، ولا سيما بعد ارتحاله الى رحمة ربه (١).
ومن ثم فعلى حملة رسالته من خلفائه المعصومين وسائر الفقهاء في الدين ان يحملوها على ضوء القرآن والسنة إلى كافة الأرجاء والأصقاع ، إذا فلا تعارض بين رسالته للعالمين ، ورسالته بلسان قومه في تقدير الله وواقع الحياة الرسالية.
(فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) عن أية رسالة في زمنها (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ)
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٥٢٥ ح ٥ عن عبد الله بن بكير الرجائي قال : قال الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) اخبرني عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان عاما للناس أليس قد قال الله في محكم كتابه (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) لأهل الشرق والغرب واهل السماء والأرض من الجن والانس هل بلغ رسالته إليهم كلهم؟ قلت : لا ادري ، قال (عليه السلام) : يا ابن بكير ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يخرج من المدينة فكيف بلغ اهل الشرق والغرب؟ قلت : لا ادري ، قال (عليه السلام) : ان الله تبارك وتعالى امر جبرئيل فاقتلع الأرض بريشة من جناحه ونصبها لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانت بين يديه مثل راحته في كفه ينظر الى اهل المشرق والمغرب ويخاطب كل قوم بألسنتهم ويدعوهم الى الله والى نبوته بنفسه فما بقيت قرية ولا مدينة الا دعاهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه أقول ، وهذا بيان لواقع الدعوة الواسعة في هذه الرسالة لا ان الرسول بالفعل دعى المرسل إليهم كلهم ، اللهم إلّا بما يحمله حملته الى الناس كافة.