فقد حصر الشيطان عباد الله في المخلصين (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) وكأنّ من سواهم عباده وهم الاكثرية الساحقة من العباد حيث المخلصون المعصومون قلة قليلة!
(وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) اقتساما للعباد بينه وبين ربه ، ثم الله يرد عليه ب (إِنَّ عِبادِي ...) انهم كلهم عباد الله أطاعوه ام عصوه ، وقصر سلطان إبليس على الغاوين منهم وهم اهل الجحيم ، كما انه ادعى استقلالا في استغلال الغاوين «لأغوينهم» فيرد الله عليه انه باذنه تكوينا وقضاء (قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) حيث الصراط إليّ يتطلب سلب الشيطان بمكائده ، وقضيته وجود الشيطان بشيطناته منظرا الى يوم الوقت المعلوم ، وهذا هو الجانب السلبي من الصراط : «لا إله» ثم يلحقه الجانب الإيجابي «إلّا الله» وكما خيّل إليه أن له إغواء غير المخلصين ابتدائيا ، بقوة له ذاتية ام بإذن الله ، وهذا ظلم في ساحة الربوبية ، فأجاب عنه (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) فتغويهم كما غووا ، وذلك التسليط من الله جزاء وفاق (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) مهما كان بيد الشيطان أمّن هو؟.
لذلك فاللوم الاول هو على الغاوين ، ثم على إبليس اللعين حيث يدعوهم لمزيد : (فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) (١٣ : ٢٢) ف (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (٧ : ٢٧) (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) (٢٢ : ٤).
وغلطة ابليسية رابعة ان له إغواء غير المخلصين كفرا ، حيث الإغواء هنا يخصه ، لان (جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) فلا تشمل غواية المؤمنين ، وقد رد الله عليه (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) حملا على الكفر (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) الكافرين ، او الذين يميلون الى كفر.
ففي واقع الحال ليس يخرج عباد الله عن كونهم عباده مهما عبدوا