نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) فهي تشمل المتقين ، بطبيعة الحال ، والطاغين إذا اقتضت الحال ان يثوبوا الى ربهم قبل فوات المجال ، فما دام يصح الغفران عدلا او فضلا لم يكن للعذاب مجال ، إلّا إذا كان الغفران ظلما بالمتقين ، وعبثا للطاغين ، وتسوية بين المحسنين والمسيئين.
والنبأ هو خبر ذو فائدة عظيمة وعائدة جسيمة ، فنبأ الرحمة فائدة لمن يستحقون الرحمة ، ونبأ العذاب تحذير لهم عن التورّط في استحقاق العذاب ، وحجة على الغاوين غير الآوين الى ربهم.
وقد ينبئ «عبادي» ان محور الرحمة والغفران هو ربقة العبودية ابتداء من العقيدة وانتهاء الى العمل ، فما لم يتحول عبد الشيطان الى عبد للرحمن لم يستحق تلك الكرامة الغالية.
ونبأ الرحمة والغفران اضافة الى تقدمه ذكرا متأكد في البيان بمثلث التأكيد (أَنِّي ـ أَنَا ـ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) حيث اللام الداخلة على الوصفين لها دلالتها على تأكيد.
ثم نبأ العذاب الأليم اضافة الى تأخره ذكرا لم يصرّح فيه بالنبإ إلّا عطفا على نبإ الرحمة ، ولا فيه ما في الرحمة إذ لم يقل : «اني انا المعذب ..» تدليلا على اصالة الرحمة ما أمكنت ، وهامشية العذاب إذا وجب عدلا من أحكم الحاكمين.
فهي ـ إذا ـ أرجى آية في الذكر الحكيم بعد آية الزمر : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (٥٤).
آيتنا تلك تجعلنا بين الخوف والرجاء دون فوضى جزاف لا في الرحمة ولا