وهذه دلالة منفصلة ان «منكرون» فيه ضيق ذرعه ، ولكونهم بصورة غلمان مرد حسان وهو يعرف شأن قومه الشائن بحق الغلمان ، لذلك طمئنوه من أنفسهم و «قالوا» ما قالوه.
وقد يعني (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) فيما يعنيه ، اني لست لأصدقكم فانكم غير معروفين ، لذلك استدركوا و :
(قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) (٦٤).
وهنا يصدّقون مرة ثانية في خطبهم بنفس النمط الذي صدقهم ابراهيم ، إلّا ان هنا بين النكران والعرفان امرا فادحا إمرا : (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ..) فلو كان يعرفهم عند مجيئهم لما استوحش قائلا (فَلا تَفْضَحُونِ) فانما عرفهم بعد ما خرجوا ام عنده ثم العذاب ، فيا له من موقف حرج مرج امام هؤلاء المرسلين قبل ان يعرفهم ، فهو في حيرة بين واجبه لضيفه وضعفه عن حمايتهم في وجه قومه المجرمين ، فجاءه التوكيد بعد توكيد يطمئنه (بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ).
و «بالحق» هنا الوعد الحق على قومه ، ثم امر الإسراء ، وطبعا بعد ان عرفهم :
(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ)(٦٦).
السري ـ كما فصلناها في الأسرى ـ هو سير الليل ، ثم (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) يؤكد ليله ام ويعني أليل الليل وأظلمه ، «قطع من الليل» من أواخره حيث العيون نائمة ، والأجواء ناعمة ملائمة.
(وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) سرا في مؤخرهم أجمعين ، لكيلا يبقى احد منهم إلا