فإذا جاء الموت فلا حجاب ، وفرض العبادة انما هو في نشأة التكليف ، لكن العارفون ليسوا ليتركوا العبادة بعد الموت وان لم يكن هناك تكليف ، إذ لا تكلّف هناك في عبادة الرب ، بل التكلف ان يكلّف العارف بالله ان يترك عبادة الله ، (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) تشتمل ـ بأحرى ـ شهيّات روحيات معرفيات من عبادات لله تعالى.
فقيلة القائل ان العبادة انما هي لغاية المعرفة اليقين ، فإذا جاء اليقين فلا عبادة ، إنها قيلة باطلة في أصلها وفرعها ، فحتى لو كان لليقين نهاية فلا نهاية للعبادة ، حيث العبادة هي قضية المعرفة ، لزاما دائبة معها ، ففي ضعف المعرفة ضعف العبادة ، وفي قوتها قوتها ، فكيف يصح ترك العبادة إذا قويت المعرفة ، فحتى لو كلف العارف بالله ان يترك العبادة كان تكليفا شاقا لا يطاق!.
ف (حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) فيما تعني اليقين المعرفة ، ليست لتحدد واقع العبادة لحد المعرفة اليقين ، مهما كان الخطاب في «فاعبد» لغير أول العابدين ، واما فيما هو له يخصه ام ويعم على هامشه سائر العارفين ، فلان العبادة من وسائل المعرفة ، كما المعرفة من بواعث العبادة ، لذلك (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) بل (ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فالعبادة غرض أقصى من خلقهم ، وهي لزام خلقهم ما هم كائنون ، ولكي يأتيهم اليقين حتى يعبدوه اكثر مما كانوا يعبدون.
فالعبادة والمعرفة هما فرقدان كل لزام زميله ، وتقدمة له وتكملة ، فكلما ارتقى كلّ ارتقى قرينه ، والفصل بينهما صعب ام لا يمكن حين يصل كل الى ذروة عالية من مدارجه.
أتراك حين تعرف مولاك اكثر مما كنت تعرفه تخف له طاعتك؟ ام تشف على قدر معرفتك؟ فكما المعرفة كمال العارف بالله ، كذلك العبادة كمال