العابد لله ، فكيف بالإمكان ان يترك العبادة في يقين المعرفة ، وقضيتها الذاتية كمال للعبودية اكثر وأقوى وارقى؟.
وحتى لو أمر العارف اليقين ان يترك العبادة او يخف فيها ، ام لا يؤمر بالعبادة ، كان ذلك عذابا عليه وعقابا ، فكيف يفسر (حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) بأنه إذا أتاه اليقين فلا عبادة ، لان العبادة هي ذريعة الوصول الى المعبود ، فإذا وصل بطلت الذريعة.
فانه لا وصول الى المعبود ، وانما هي درجات المعرفة يتدرجها العارف بالله بسلّم العبودية ، كما درجات العبودية يتدرجها بسلّم المعرفة ثم لا حدّ لها يقف عنده حتى بالموت.
واما قيلة القائل ان العابد مثله مثل الفحم يحرف فيحترق حتى يصبح كله نارا يحرق ولا يحترق ، فالعابد يصل في القرب الى معبوده لحدّ تفنى نفسه فيه ، فيمحو العابد بعبادته ثم ليس هناك إلّا المعبود لا عابد ولا عبادة ، وكما يقول قائلهم «انا هو وهو أنا» «ليس في جبتي الا الله».
فانها قيلة عليلة في كافة الموازين ، وكيف بالإمكان الوحدة الحقيقية في غير الواحد ، ان يتوحد الثاني السالك مع الأول المسلوك اليه ، فهل يفنى عن بكرته حقيقيا ـ ولم يفن ـ! فأين إذا «انا» حتى يكون «انا هو وهو انا»؟.
ام يفنى عن انيته نفسه معرفيا ، فلا يعرف العارف إلّا ربه ، جاهلا متجاهلا نفسه؟ فها هو الموجود العارف ربه في مقام قاب قوسين او ادنى ، لم يخرج عن كونه عبدا عارفا وانما وصل الى قمة من العبودية والمعرفة ، فكيف إذا «انا هو وهو انا» وقد اندكت الإنية والأنانية ، وأصبح معرفيا أصغر مما كان وأفقر الى ربه المعروف والمعبود ، فيصبح كالرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) اوّل العابدين (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ).