فالحق قوام الخلق ، وهو قوام تدبير الخلق ، وحق التدبير هو وحدة النظام ، ومن حقه قيام يوم القيام ، ثم لا تدخّل لغير الله خلقا وتدبيرا وقياما (تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)! في تكوين ام تشريع إمّا ذا من شؤون الربوبية.
و «بالحق» هنا تتعلق بالكائن المقدر للسماوات والأرض ، كما تتعلق ب «خلق» ومن ثم :
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ)(٤).
«الإنسان» هنا بنو آدم فلا يشمل آدم وزوجه ولم يخلقا من نطفة فانما هو من تراب ، وهي منه نفسه ام من ترابه ، و «من نطفة» هي نطفة من مني يمنى وقد عبر عنها في العلق بالعلق : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) فالنطفة هي العلق حيث تعلق بالرحم وهي كالدودة العالقة ، والعلق هي جنس ما تتعلق من علقات ، وهي البحر المنوي الغائص في خضمّه ملايين العلقات والدودات الجرثومية.
ويا لها من نقلة قصيرة بين المبدء والمصير ، بين النطفة العالقة الساذجة ، وبين الإنسان المعلّق الخصيم ، يخاصم خالقه وكل حق منه! فمالك أيتها الدودة الضئيلة والحشرة الذليلة والخصام مع احسن الخالقين جهرة دونما استحياء؟! وعلى حدّ المروي عن رسول الله (ص) يقول الله ا تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك فعدلتك مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت الحلقوم قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة (١).
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ١١٠ ـ اخرج ابن سعد واحمد وابن ماجة والحاكم وصححه عن بسر بن جحاش ، قال : بصق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كفه ثم قال : يقول الله ...