تفضيلة ساقطة خابطة ، في كل ما دق وجلّ.
ويا له من تقرير في أحسن الأوان ، والنفوس متهيئة بعد سرد هذه النعم للإذعان ، فما هنا من جواب إلّا : اللهم لا وكلّا ـ فلا مساوات او مسامات بين من يخلق وبين من لا يخلق ، ولا يحتاج «لا» هنا الى إمعان وتفكير زائد اللهم إلّا تذكرا لخلق الله دون سواه (أَفَلا تَذَكَّرُونَ)؟ ثم وليست نعم الله التي خلقها بالتي تحصى ، إذا فعظمته وحرمته ايضا لا تحصى :
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٨).
فمن ذا الذي بامكانه أن يحصي نعمة الله ، وعدّها كأصلها من نعمة الله ، حتى ولو أحصاها فإحصاءها أيضا من نعمة الله ، كما ومعرفة عدم إحصاءها والعجز عنه نعمة ثالثة من الله ، ولأن نعم الله لا تحصى ، فإحصاؤها بحاجة إلى علم لا يحصى وقدرة لا تحصى ، ولو أحصيت هكذا ، فمن ثم شكر لا يحصى وعبادة لا تحصى ، وأنى هذه الحشرة الجاهلة العاجزة القاحلة وإحصاء أو شكر نعم لا تحصى؟.
فإذ لا نحصي نعمة الله لو عددناها ، فكيف نشكرها كما هي على حدها بعدها ، إحصاء لشكرها ، كلّا! ولا نشكرها كما نستطيع بل ونكفر بها كفرا او كفرانا (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (١٤ : ٣٤) (١) بدلا عن كونه شاكرا لأنعم ربه حسب المستطاع مهما كان قاصرا!
ولكن (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) قصور الشكر وتقصيره ، كفرانا يوم الآخرة ، وكفرا يوم الدنيا ف (أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) في موضع العفو والرحمة ، مهما كان (عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) في موضع النكال والنقمة.
__________________
(١) راجع تفسير الآية في سورة ابراهيم ففيه تفصيل ولا نعيد.