و «من» هنا دون «ما» برهان قاطع لا مرد له انه يشمل كل الخلق بمن فيه وما فيه ، وانما «من». هنا رعاية للأشرف الأجل مهما كان أقل.
فلا يخص (كَمَنْ لا يَخْلُقُ) بالأصنام والأوثان غير ذوات العقول ، ولا بالطواغيت ذوي العقول ، بل يعمهما والذوات القدسية المعبودة لهم من دون الله مهما خص (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ. أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (١٦ : ٢٠) فان «من» هنا عام و «الذين» هناك بقرينة هو خاص ، ومن العام : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (٧ : ١٩١) (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً)(٢٥ : ٣).
ولو أن في الذوات القدسية خالقا ـ مثل المسيح المعبود من دون الله ـ لاستحق العبادة بنفس السند ، والبرهان صارم ، فعبادة من دون الله عارمة لمكان (لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ).
وليس «من يخلق» لتعني الخالقية الاصيلة فقط حتى لا تنافي المخوّلة المتقوّلة ، حيث الأصل في الخلق هو اصل الخلق دون خصوص الخلق الأصل.
و (أَفَمَنْ يَخْلُقُ ..) تفريع على خالقيته المقبولة لديهم فيما سبق من الخلق ، انه (كَمَنْ لا يَخْلُقُ)؟ ككل من سوى الله من معبوداتهم وسواها ، وقد سوّوا بينها وبينه في العبادة وهو ضلال مبين : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٢٦ : ٩٨) فأين الرب الخالق والمربوب المخلوق (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) ضلال هذه التسوية الظالمة؟.
فالتسوية بين الفاضل والمفضول ضالة مرذولة ، فضلا عن تفضيل المفضول على الفاضل ، ضابطة صارمة تقضي على كل تسوية هابطة ، ام