بظلم الظالمين حيث التوعيد يشملها كلها بمن فيها من الناس غير الظالمين (ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) دون «ما تركهم عليها»؟
كما (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) (١٨ : ٥٨).
فالمؤاخذة العذاب المعجلة ليست إلّا لأهله الظالمين فقط ناسا وغير ناس حيث إن من سائر الدواب ظالمة كما في الناس ، وآية الكهف هذه قد تستثني من عموم آية النحل غير الظالمين «من دابة» فإنهم (لَوْ يُؤاخِذُ اللهُ) ناجون ، ثم سائر الدواب قد يترك منها ما تعيّش الناجين دون الباقية ، فانها خلقت لتعيّش الإنسان كغيرها مما في الأرض (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (٢ : ٢٩) فإذا زال المستفيدون منها زالت ، ام إذا زالت الاكثرية الساحقة وهي الظالمة زالت الاكثرية من دوابها ، لا أخذا لها لأنها ظلمت ، بل لان القصد من بقاءها زائل ، وكما لا يترك الله عليها من دابة في الأجل المسمي الجماعي ، ظالمة وغير ظالمة ، حيث الأجل مما لا بد منه ، فلا جرم في هذه الأخذة القارعة المزلزلة المدمرة تؤخذ كل دابة.
إذا ف «من دابة» هنا تنقسم إلى ثلاث ، ناجية هي قسم من الدواب والناجون من الناس ، وهالكة هي القسم الآخر بذنب ام دون ذنب ، وانما لزوال القصد من بقاءها ، ومؤاخذة معذبة وهي لشر الدواب (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (٨ : ٢٢) وكما حصل كل ذلك في طوفان نوح ، حيث نجّى الله فيه المؤمنين القلة بنماذج من الدواب التي تعيّشهم ، ثم تتوالد لمن بعدهم ، ثم أهلك الله الكافرين وسائر الدواب.
وإذا عنت (ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) كل دابة في الأرض دون إبقاء ، فهي ـ إذا ـ فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٨ : ٢٥) فقد تصيب سائر الدواب ام قسما منها دونما ظلم ، وانما ابتلاء