اقرب ، وليس ذكر لمح البصر هنا إلا لأنه المعروف لدى العرف العام ، ولكنه اقرب من لمح البصر ، وعلّه واحد الحركة للمادة الام ، التي ليس ما دونها إلا السكون ففناء المادة ، فواحد الزمان يكفي لتنفيذ امر الساعة ، ولمح البصر امتداد لزمان حيث هو انتقال الطّرف من أعلى الحدقة الى أدناها ، والواحد الحقيقي لهذا الزمان لا يعلمه الا الله وهو اقرب من لمح البصر.
إذا ف (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) تنظير بنظير معروف مهما بان البون بينهما ، إذ لا نظير عندنا معروفا اقرب من لمح البصر ، في سرعة زمنية وسرعة نفاذ القدرة ، لذلك تراه في القمر (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (٥٤ : ٥٠) وهنا «واحدة» تعني وحدة الارادة موصوفة لهذه الصفة ، دون تعدد فيها في اي أمر (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) واقرب من لمح البصر هو مشمول للقدرة المطلقة ، فما ليس مستحيلا ذاتيا تشمله القدرة ، الا إذا كان مستحيلا مصلحيا فلا تشمله القدرة لأنه خارج عن الحكمة الإلهية.
وترى (غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) هو فقط علمه؟ ولم يذكر هنا العلم! والمذكور بعده غيب القدرة (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ ..) ثم تذييل لعموم القدرة (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)! فأين العلم فقط؟.
ان (غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) هو كما ترى يعم العلم والقدرة أما هيه من غيوب مطلقة لا تكشف ابدا ، ام تكشف يوم القيامة ، وذلك مثلث الغيب حالا وماضيا واستقبالا ، فله العلم والقدرة ـ قبل خلقهما وبعده وعند قيامتهما ـ لا سواه.
فمن غيبهما قبل الخلق انحصار القدرة والعلم بهما كيف ومتى يخلقهما وقد كان الله ولم يكن معه شيء؟ إذا فهما بحاضرهما وغائبهما كانتا غيبا ، مهما ظهرتا بغير غيبهما لغير الله ، كما شاء الله.