(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ٧٦.
وهذا المثل الثاني تصوير للأبكم الذي لا يتكلم ، ثم لا يقدر على شيء صالح كلاما وغير كلام من سمع واعمال فكرية أم عضوية ، فلذلك (هُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) في حاجياته الشخصية بدل ان يكلّ عليه مولاه في خدماته ، ف (أَيْنَما يُوَجِّهْهُ) لحاجة (لا يَأْتِ بِخَيْرٍ) ان لم يأت بشر.
(هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) بلسان طلق ذلق ، ومعرفة بالغة وسائر شروطات الأمر المجموعة في (وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)؟ (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
وذلك مثل لعباد الله في كل شؤونهم ـ أيا كانوا ـ أمام الله ، من رزق رزقا حسنا ومن لم يرزق ، أنفق منه سرا وجهرا او ما أنفق ، فإنهم كلهم كلّ على الله ـ ان صح التعبير ـ لا يأتون بخير الا بالله ، فهل يستوون مع الله ، ولا سيما الأصنام التي هي عباد العباد لأنها من صنعهم (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (٣٧ : ٩٦).
(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ٧٧.
«ولله» لا سواه (غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فلو كان له فيهما شركاء لكان هو اعلم بها من هؤلاء ، فإذ لا يعلم الله لنفسه شركاء فلا شركاء معه حضورا ام غيّبا : (أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (٤٩ : ١٦) ومن غيب السماوات والأرض امر الساعة حيث تستقبلهما ولا يعلم أيّان مرساها إلا هو (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ) في سرعتها ، بالقدرة النافذة الماضية فيها «او اقرب» : بل هو