فالعدل هو المحور الأصيل في كل دقيق وجليل ، لا يعدل به أي أصل من الأصول ، لا فردية ولا جماعية ، وهو العدل المساوات في الحق ، ويقابله الظلم وهو الانتقاص عن الحق ، وأفضله الإحسان والقسط وهما الزيادة على الحق دونما تبذير أو إسراف ، أم إجحاف بحق الآخرين.
فالاستمرار على مر الحق عدل ، والانحراف عنه قل او كثر ظلم ، والزيادة على الحق حقا راجحا قسط واحسان ، فالعدل هو المحور الدائب فيما قل وجل ، فرديا وجماعيا ، كافلا حافلا لكل ضابطة ثابتة للتعامل ، لا تميل مع الأهواء ، ولا تتأثر بالمودّات والبغضاء ، ولا تتبدل مجاراة لسبب او حسب او نسب ، وانما تمضي في طريقها الى تحقيق الحق وابطال الباطل بمكيال واحد وميزان فارد للجميع.
فلان القرآن نزل لينشئ امة عالمية ويقيم نظاما إنسانيا على ضوء الوحي ، دون اي تحسّب او تعصّب ، عنصرية ام قومية او طائفية أمّا هيه ، فالعقيدة الصالحة وصالحة الأعمال هي الرابطة والآصرة الحاصرة ، لذلك نجد في مقدمة دعوته وناصيتها (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ...).
و «العدل» هنا مطلق يحلق على كافة اعمال الجوارح والجوانح ، في كافة الحقول ، بالنسبة للمبدء والمعاد وما بين المبدء والمعاد ، خروجا عن كل افراط وتفريط ، ظلما سلبيا او ايجابيا.
فبالنسبة للمبدء هو كلمة الإخلاص (١) فإفراطه الإشراك بالله وتفريطه نكران وجود الله.
ثم عدلا في كلمة الإخلاص ، دون إفراط في اثبات الصفات الزائدة
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ٨٠ عن تفسير العياشي عن أبي جعفر (عليه السلام) في الآية قال : العدل شهادة ان لا اله الا الله ...