الغفلة هي التجاهل والتساهي بعد العلم والقدرة ، فسلبها اثبات لهما كما يثبت حضور العلم والقدرة ، فالنص «غافلا» وليس «عاجزا» او «جاهلا» ام «ظالما» على علم وقدرة ، وانما «غافلا» كأقل ما قد يحسبه الجاهلون بجنب الله ، انه على علمه وقدرته وعدله ورحمته ، كأنه غافل عما يعمل الظالمون! وذلك عجز في القدرة ، ونقص في الحيطة العلمية.
وترك مجازات الظالمين هنا ـ على قدرته تعالى وعلمه وعدله ورحمته وعدم غفلته ـ هو من الادلة القاطعة على ان هناك بعد الدنيا يوما للجزاء (تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) و «لا تحسبن» في مواصفات حاذرة لذلك اليوم ، هي تعزية للمظلوم ووعيد للظالم.
وشخوص الأبصار هو سكونها من شديد الهول ، محدقة اليه دون حراك ، وناظرة نظر المغشي عليه من الموت ، تراه ميتا وما هو بميت ، وهذه حالة الظالمين يوم الحساب.
«مهطعين» : مصوّبين أعناقهم ورافعين (مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) ورافعيها (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) لهول الموقف ، فهم في ثالوث الشخوص ، أبصارهم بطرفها والرءوس (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) هاوية خاوية كأن لا افئدة لهم إلّا هباء.
فالأفئدة الهواء هي الخالية من عزائم الصبر والجلد ، لعظيم الإشفاق والوجل ، فقد يسمى الجبان يراعة جوفاء ، كأن ليس بين جوانحه فؤاد ، حيث القلب هو محل الشجاعة ، وإذ لا شجاعة فلا قلب ولماذا هنا «الأفئدة» دون «القلوب»؟ لأن الفؤاد هو القلب المتفئد إما بنور الهدى المعرفة حيث تنير الدرب على الضالة كفؤاد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) (٥٣ : ١١) أم بنار الردى والجهالة حيث تحرق من تمسه : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ. الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) (١٠٤ : ٧).