كالإمام الحسين عليهالسلام حين تفاعل في عرفات وهو يدعو اللّه بكلّ تواضع وانكسار ونحيب وتضرّع وعيونه دامعة وقلبه حزين ، لكنّه يقول بصوت عالٍ : «يا أسمَعَ السّامِعينَ ...» ١ أو كالإمام الصادق عليهالسلام إذ كان ينادي في جوف الليل وهو قائم مع المتهجّدين فيقول : «اللّهُمَّ أعِنّي عَلى هَولِ المُطَّلَعِ ووَسِّع عَلَيَّ ضيقَ المَضجَعِ ...» ٢ فلم يزعجهم ويؤذهم ، بل كان أهل بيته متشوّقين إلى سماع مناجاته الرافدة بالقوّة والنشاط في جوف الليل.
وبعبارة اُخرى ؛ إنّ خفض الصوت في أثناء الدعاء وهو ما يقتضيه تعظيم اللّه والتواضع بين يديه من جهة ، ويوجب من جهة اُخرى نيل رضا اللّه وإيجاد مزيد من التوجّه إليه والاُنس به. وهذا ما يدركه ويصدّقه عقل الإنسان ووجدانه بكلّ جلاء.
وعلى هذا الأساس يختلف مقتضى الحالات والمقامات المختلفة. والعقل والوجدان يستشعر في كلّ حال ومقام المدى المناسب من خفية أو جهر الصوت. ومع الحفاظ على مبدأ الهدوء واجتناب الزعيق والصراخ ، فهو يميّز كلّ واحد من مقامات ـ الطلب ، والتحرّق واللهفة ، وحالة تضمين التعليم والتربية في أصل الدعاء ـ عن المقامات والحالات الاُخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١. البلد الأمين : ص ٢٥٨ ، الإقبال : ج ٢ ص ٨٧ ، بحارالأنوار : ج ٩٨ ص ٢٢٤ ح ٢.
٢. الكافي : ج ٢ ص ٥٣٩ ح ١٣ ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٤٨٠ ح ١٣٨٩ كلاهما عن عبد الرحمن ابن الحجّاج ، بحارالأنوار : ج ٨٧ ص ١٩٢ ح ٦.