هذِهِ النُّطفَةِ ١ ـ وأشارَ بِيَدِهِ إلَى البَحرِ ـ وأمّا مُصَلاّيَ فَهذَا المَوضِعُ ، تُصيبُني فيهِ إذا أرَدتَني إن شاءَ اللّه.
قالَ : ثُمَّ قالَ الرَّجُلُ لاِءِبراهيمَ عليهالسلام : ألَكَ حاجَةٌ؟ فَقالَ إبراهيمُ : نَعَم. فَقالَ لَهُ : وما هِيَ؟ قالَ : تَدعُو اللّه واُؤَمِّنُ عَلى دُعائِكَ ، وأدعو أنَا فَتُؤَمِّنُ عَلى دُعائي.
فَقالَ الرَّجُلُ : فَبِمَ نَدعُو اللّه؟ فَقالَ إبراهيمُ عليهالسلام : لِلمُذنِبينَ مِنَ المُؤمِنينَ. فَقالَ : الرَّجُلُ : لا. فَقالَ إبراهيمُ عليهالسلام : ولِمَ؟ فَقالَ : لِأَنّي قَد دَعَوتُ اللّه عز وجل مُنذُ ثَلاثِ سِنينَ بِدَعوَةٍ لَم أرَ إجابَتَها حَتَّى السّاعَةِ ، وأنَا أستَحيي مِنَ اللّه تَعالى أن أدعُوَهُ حَتّى أعلَمَ أنَّهُ قَد أجابَني.
فَقالَ إبراهيمُ عليهالسلام : فَبِمَ دَعَوتَهُ؟ فَقالَ لَهُ الرَّجُلُ : إنّي في مُصَلاّيَ هذا ذاتَ يَومٍ إذ مَرَّ بي غُلامٌ أروَعُ ٢ ، النّورُ يَطلُعُ مِن جَبهَتِهِ ، لَهُ ذُؤابَةٌ مِن خَلفِهِ ، ومَعَهُ بَقَرٌ يَسوقُها كَأَنَّما دُهِنَت دَهنا ، وغَنَمٌ يَسوقُها كَأَنَّما دُخِسَت ٣ دَخَسا ، فَأَعجَبَني ما رَأَيتُ مِنهُ ، فَقُلتُ لَهُ : يا غُلامُ لِمَن هذَا البَقَرُ وَالغَنَمُ؟ فَقالَ لي : لاِءِبراهيمَ عليهالسلام. فَقُلتُ : ومَن أنتَ؟ فَقالَ : أنَا إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ خَليلِ الرَّحمنِ ، فَدَعَوتُ اللّه عز وجل وسَأَلتُهُ أن يُرِيَني خَليلَهُ. فَقالَ لَهُ إبراهيمُ عليهالسلام : فَأَنَا إبراهيمُ خَليلُ الرَّحمنِ ، وذلِكَ الغُلامُ ابني.
فَقالَ لَهُ الرَّجُلُ عِندَ ذلِكَ : الحَمدُ للّه الَّذي أجابَ دَعوَتي. ثُمَّ قَبَّلَ الرَّجُلُ صَفحَتَي إبراهيمَ عليهالسلام وعانَقَهُ ، ثُمَّ قالَ : أمَّا الآنَ فَقُم فَادعُ حَتّى اُؤَمِّنَ عَلى دُعائِكَ. فَدَعا إبراهيمُ عليهالسلام لِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ وَالمُذنِبينَ مِن يَومِهِ ذلِكَ ، بِالمَغفِرَةِ وَالرِّضا عَنهُم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١. قال الفيروز آبادي : النُّطْفة : الماء الصافي. قلّ أو كثر. وقال المطرزي : النطفة البحر (مرآة العقول : ج ٢٦ ص ٦٠٣).
٢. الأروَعُ مِنَ الرجال : الذي يُعجِبُكَ حُسْنه (لسان العرب : ج ٨ ص ١٣٦ «ورع»).
٣. في أكثر النسخ بالخاء المعجمة ، وفي بعضها بالمهملة. قال الجوهري : الدخيس : اللحم المكتنز ، وكلّ ذي سمن : دخيس. وقال الجزري : كلّ شيء ملأته فقد دخسته ، والدخاس الامتلاء والزحام (مرآة العقول : ج ٢٦ ص ٦٠٤).