الثاني : المعاندون ، وهم الذين عرفوا الحقّ وشاقّوه على علم منهم به لتهوّسهم واستعلائهم ، أو تكون الوسيلة والقدرة على معرفة الحقّ في متناول أيديهم ، ولكنّهم لا يكترثون لها ويتمسّكون بالباطل.
أمّا الصنف الأوّل فالدعاء لهدايتهم ليس ممدوحا فحسب ، بل كلّ سعي وجهد يُبذَل من أجل توعيتهم وتبصيرهم وتربيتهم وتعليمهم ضروريّ. ولذا كان رسول اللّه صلىاللهعليهوآله يدعو لهداية قومه على الرغم من صنوف الأذى التي لقيها منهم. فقال صلىاللهعليهوآله :
اللّهُمَّ اهدِ قَومي فَإِنَّهُم لا يَعلَمونَ. ١
وللمرحوم السيّد ابن طاووس رحمهالله المصنّف العظيم لكتاب الإقبال الكريم في هذا الشأن كلام في غاية الروعة والجمال يقول فيه : «وكنتُ في ليلةٍ جليلةٍ من شهر رمضانَ بعد تصنيفِ هذا الكتابِ الإقبال. بزمانٍ ، وأنا أدعو في السَّحَرِ لِمَن يجِبُ أو يَحسُنُ تقديم الدعاء له ولي ولِمَن يَليقُ بالتوفيق أن أدعو له ، فورد على خاطِري أنّ الجاحدين للّه ـ جَلَّ جَلالُهُ ـ ولِنِعَمِهِ والمُستخفّينَ بِحُرمَته ، والمُبدّلينَ لِحكمه في عباده وخَليقَته ، ينبغي أن يُبدَأ بالدعاء لهم بالهداية من ضَلالتهم ؛ فإنَّ جِنايتهم على الرُّبوبيّة ، والحكمة الإلهيّة ، والجَلالة النَّبويّة أشدُّ مِن جنايةِ العارفينَ باللّه وبالرسول صلوات اللّه عليه وآله.
فيقتضي تعظيمُ اللّه وتَعظيمُ جلاله وتعظيمُ رسوله صلىاللهعليهوآله وحقوقُ هدايته بمقاله وفِعاله أن يُقَدَّمَ الدعاءُ بهداية مَن هو أعظمُ ضررا وأشدُّ خطرا ؛ حيثُ لم يَقدر أن يزالَ ذلك بالجهاد ، ومَنعهم من الإلحاد والفساد.
أقول : فدعوتُ لكلِّ ضالٍّ عن اللّه بالهداية إليه ، ولكلِّ ضالٍّ عن الرسول بالرجوع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١. راجع : ص ٤٦٢ (دعاء النبيّ لقومه).