الرسالة (٢٥٤) ، قلت هي بلغة اللطين ، ولا نعرفها. قال من يعرف اللطين؟ قلت : أسير راهب من أسارى المقام العلي ، قال : يقعد معك. وكنا في دار السلطان نترجم ذلك ، والراهب معي وقت الظهر ، وتعطلت لنتم بالكتابة ما بقي من وجه ورقة ، وسمعت الضرب في ورا لوح من خشب ، قال الراهب : ما هذا الضرب؟ قلت : لا أدري ، وقام من موضعه ومشى إلى ظهر اللوح الذي كان الضرب فيه ، ولا أرى شيئا ، وبقي متعجبا.
وعلمت أن الضرب كان يقول لي أن أترك كل شيء وأصلي الظهر. وكان ابتداء هذا الأمر قبل هذا التاريخ بنحو الخمس وعشرين سنة. ونعرف أنه معي أين ما أكون ، ولا نراه ، ولا يجاوبني بأمره. وقد طلبتها منه ولا ظهر لي منه انتقال إلا يرعى ما نقول أو ما نعمل ، حتى أظن أنه الملك الذي على اليمنى ، وإن كان هذا الظن غريب وبعيد ، وأنا متعجب منه بعد أن عرفت ، وتحققت منه أنه يحفظ القرآن ، وتارة أقرأ سورتين أو ما شاء الله ، ونترك القراءة ، ويضرب لي أن أقوم إن تلك ساعة الإجابة للدعاء. وكنت ليلة أريد أن أختم القراءة إلى سورة «الناس» ، وكنت أقرأ حزب (صبح) (*) ، وتسلط علي النوم ـ وكان ذلك في الزمن الذي كنت مشغولا بتأليف هذا الكتاب ـ وإذا قرأت سورة أو سورتين أو أكثر يبدؤني النعاس قليلا من غير ترك القراءة ، فيضرب حتى نتقوى ، ولا ختمت الحزب حتى ضرب نحو الست مرات. ولما ختمت وقف عن الضرب ، والشكر لله الذي رقني من يعينني على عبادته.
وكنت أول الحال نكرهه أشد الكراهة ، وقال الله تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)(٢٥٥).
__________________
(٢٥٤) يقصد رسالة زيج زكوط للإسرائيلي إبراهيم السلمنقي.
وقد ترجمها بالفعل الشهاب الحجري إلى العربية. مخطوط م. ح. بالرباط ، عدد ١٤٣٣ ضمن مجموع.
(*) يقصد حزب سبح.
(٢٥٥) سورة البقرة ، الآية ٢١٦.