شهوتها ، وتتقوى عليك وتغلبك حتى تفعل من الحرام أكثر مما قصدت. ومثال ذلك أن الإنسان إذا كان صايما فهو صابر على الطعام حتى يبتدي بالمأكول ، تتقوى شهوته عليه ، أن يأكل حتى يشبع ، والأحسن والأفضل مخالفة النفس والشيطان وأن يعصهما. فلا نفع مع صاحبي من كل ما قلت له شيئا ، لأنه جاء من ورائي والبنت واقفة تتكلم معي ، وأدحاني (٩١) إليها ، وحين ذهبت خاصمته على حمقه ، وسألتني : هل عندي امرأة في بلادي؟ قلت لها : عندي ، ثم قالت : وتتزوجون أكثر من امرأة؟ قلت لها : جائز ذلك في ديننا ، ثم قالت : هل عندك أولاد؟ قلت لها عندي ، وقلت في نفسي : حين علمت ذلك تنقص المحبة ، فلم تنقص شيئا ، ورأيتها يوما زينت نفسها وكانت ترعاني ، وليس لي خبر بما أضمرت ، وسرت إلى الجنان. والبساتين بتلك البلاد ما لها حيطان للتّحويط ، بل يحفرون خندقا دايرا بالبستان ، غريقا لمنع الناس من الدخول إليه إلا من الباب. وسمعتها تنادي ، فجئت من داخل الجنان إلى حاشية الخندق ، وهي واقفة على الحاشية من الجهة الأخرى ، وطريق صغير هابط إلى قعر الحفرة وطالع إلى الجنان. والخندق الكل عامر بالأشجار البرية حتى لا يظهر قعره إلا في بعض الموضع. فتكلمنا هنالك ، وفهمت من حالها ما لا يخفى وتكلم بعض أصحابي في الجنان وقرب من جهتي ، وذهبت ، وفكني الله بفضله ، وإحسانه ، وحمايته ، وتوفيقه الجميل. وأستغفر الله من الكلام الذي صدر مني إلينا والنظر. إنه غفور رحيم. إن الله يغفر الصغاير باجتناب الكباير. وقد جات بنت من أكابر الفرنج من مدينة فنتي إلى زيارة صنم بقرب المنزل الذي كنا فيه. وبعد زيارة جاءت إلي امرأة القائد ، والبنت التي فرغنا من الكلام عليها. فأقبلوا عليها. وبعد الطعام نادوني ، وأعطوني كرسيا ، وجلست ، وزوجة القائد عن يميني ، والبنات قبالتي ، والتي جاءت إلى الزيارة كانت أجمل وأزين من التي كانت في الدار ، وفي حال لباسها ظاهرة أنها من الأكابر. ومعها بنتان تخدمانها. وقبل أن نادوني أعلموها بي. ولما جلست نظرتني شزرا ، وأظهرت في وجهها الغضب ، وقالت لي : أنت تركي؟ قلت لها : مسلم ، الحمد لله ، قالت : كيف بكم لم تعرفوا الله؟ قلت لها :
__________________
(٩١) أدحاني إليها : دفعني إليها ، والكلمة مستعملة في العامية المغربية.