ألا ترى أنه مكان مخصوص ، كما أن البيت والمسجد مخصوصان. وقد نص سيبويه على اختصاصه ، والنص يدل على أنه ليس كالمذهب. ألا ترى أنه حمل قول ساعدة (١) :
لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه |
|
فيه كما عسل الطّريق الثّعلب (٢) |
على أنه قد حذف معه الحرف اتساعا ، كما حذف عنده من : ذهبت الشام.
وقد قال أبو إسحاق فى هذا المعنى خلاف ما قاله هذا. ألا ترى أنه قال فى قوله تعالى : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (٣) أي : على صراطك.
قال : ولا اختلاف بين النحويين أن «على» محذوفة.
ومن حذف الجار قوله تعالى : (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) (٤) أي : فى أن يجاهدوا ، فحذف «فى».
وقال : (وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) (٥) أي : لأن دعوا ، فحذف اللام.
وأما قوله : (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) (٦) فقد قالوا : التقدير : ثم يسره للسبيل ، وإنها كناية الولد المخلوق من النطفة فى قوله (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ) (٧) ثم يسره للسبيل ، فحذف اللام وقدّم المفعول ، لأن «يسر» يتعدى
__________________
(١) هو ساعدة بن جؤية. وانظر الكتاب لسيبويه (١ : ١٦).
(٢) يعسل : يضطرب. وعسل الطريق : أي عسل في الطريق ، فحذف وأوصل.
(٣) الأعراف : ١٦.
(٤) التوبة : ٤٤.
(٥) مريم : ٩٠ ، ٩١.
(٦) عبس : ٢٠.
(٧) عبس : ١٨ ، ١٩.