ومثله قوله تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) (١) ففى موضع (أَنِ) قولان :
أحدهما : أن يكون بتقدير الباء ، أي : أرسلناه بأن اعبدوا الله ؛ فانتصب بالنّزع.
والثاني : أن تكون (أَنِ) بمعنى «أي» المفسّرة.
وأما قوله فى التنزيل : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) (٢) و (لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) (٣) (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ / فِي الْآخِرَةِ) (٤) فبعضهم يحمله على إضمار «من». أي : من أن لهم النار (٥) ، فيحمل «لا جرم» على معنى : لا بد. وهذا لا يصح ، لأن «جرم» يقتضى مرفوعا ، لأنه فعل ماض عندنا.
وذهب الفرّاء (٦) إلى أن «جرم» معمول «لا» وهو اسم ، وهو جار مجرى القسم.
وقيل : إن «أن» منصوبة الموضع ، مفعول «جرم».
وقال بعض الكوفيين : جرم : أصله الفعل الماضي ، فحول عن طريق الفعل ، ومنع التصرف ، فلم يكن له مستقبل ولا دائم ولا مصدر ، وجعل مع «لا» قسما ، وتركت «الميم» على فتحها الذي كان عليها فى المضي ، كما نقلوا
__________________
(١) النحل : ٣٦.
(٢) النحل : ٦٢.
(٣) غافر (المؤمن) : ٤٣.
(٤) هود : ٢٢ ، والنحل : ١٠٩ وقد كتبت الآية في الأصل «لا جرم أن لهم في الآخرة».
(٥) كأن في الكلام استكفاء ، لعدوله عن التقدير في الآيتين الأخريين.
(٦) هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور ، أبو زكريا ، إمام الكوفيين. وله كتاب المعاني في التفسير ، والجمع والتثنية في القرآن ، وغيرهما. توفي سنة ٢٠٧ ه.