قال أبو على (١) فى قوله تعالى : (بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) (٢) فى سورة الأحقاف فى قراءة الكوفيين «إحسانا» منصوب بمضمر يدل عليه ما قبله ، وهو قوله (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) (٣) كأنه لما قال : (أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (٤) قال : وقلنا لهم أحسنوا بالوالدين إحسانا.
كما قال : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) (٥) ، فالجار يتعلق بالفعل المضمر ، ولا يجوز أن يتعلق بالمصدر ، لأن ما يتعلّق بالمصدر لا يتقدّم عليه.
و «أحسن» (٦) يوصل بالباء كما يوصل بإلى ، يدلّك على ذلك قوله تعالى : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) (٧) فعدّاه بالباء كما تعدّى بإلى فى قوله تعالى : (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) (٨). والتقدير أنه لما قال : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) وكان هذا الكلام قولا ، صار كأنه : وقلنا : أحسن أيها / الإنسان بالوالدين إحسانا.
ووجه من قرأ فى الأحقاف : (بوالديه حسنا) أن يكون أراد بالحسن الإحسان ، فحذف المصدر ورده إلى الأصل ، كما قال الشاعر :
فإن يبرأ فلم أنفث عليه |
|
وإن يهلك فذلك كان قدرى |
أي : تقديرى.
__________________
(١) هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي إمام العربية ، وكانت وفاته سنة ٥٣٧٧ ـ ٩٨٧ م.
(٢) الأحقاف : ١٥. وقد جاءت في الأصل (وبالوالدين إحسانا) وهو تبديل اضطرب فيه الناسخ فبدل وأسقط.
(٣) كذا في الأصل ، وفي الكلام حذف ، فالإشارة هنا إلى آية أخرى من سورة البقرة هي قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً).
(٤) البقرة : ٦٣. وهي على إضمار القول ، أي : وقلنا لكم خذوا ما آتيناكم. (البحر ١ : ٢٤٣).
(٥) يوسف : ١٠٠.
(٦) القصص : ٧٧.