ومن ذلك الآية الواردة فى صلاة الخوف ، وهو قوله عزّ من قائل : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) (١). اختصر وأوجز وأطنب وأسهب ، وأتى بالبلاغة والفصاحة بحيث لا يفوتها كلام ، ولا يبلغ كنهها بشر ، فتحقق قوله (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٢).
فاعرف أيها الناظر كيفية صلاة الخوف ، ثم انظر فى الآية يلح لك إيماؤنا إلى ما أومأنا إليه.
قال أبو حنيفة : إذا اشتد الخوف جعل الإمام الناس طائفتين ؛ طائفة فى وجه العدو ، وطائفة خلفه ؛ فصلى بهذه الطائفة ركعة وسجدتين ، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية مضت هذه الطائفة إلى وجه العدو ، وجاءت تلك الطائفة. فصلّى بهم ركعة وسجدتين وتشهّد وسلّم ، ولم يسلّم القوم وذهبوا إلى وجه العدو ، وجاءت طائفة أخرى فصلّوا وحدانا ركعة وسجدتين بغير قراءة وتشهّد ، ومضوا إلى وجه العدو ، وجاءت طائفة أخرى فصلوا ركعة وسجدتين بقراءة وتشهد وسلّموا.
فإذا عرفت هذا فقوله تعالى : (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) (٣) فمعناه : فلتصل طائفة منهم لم يصلّوا معك ، أي : فلتقم طائفة بركعة ، فحذف.
__________________
(١) النساء : ١٠٢.
(٢) الإسراء : ٨٨.
(٣) النساء : ١٠٢.