أي : خلقه من النطفة ثم قدّره ، أي : جعله قادرا على الطاعة والعصيان ، ثم سهل عليه السبيل ، بأن بيّنه لّه ، ودله عليه.
ومن ذلك قوله تعالى : (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) (١) أي : كلما نضجت جلودهم منها ؛ فحذف الجار والمجرور من الصفة إلى الموصوف.
ومثله : (جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) (٢).
قال أبو على : هذا الكلام صفة «للجنتين» المقدّم ذكرهما ، فإذا كان كذلك فالراجع فيه مقدّر محذوف.
التقدير : قيل لهم : كلوا من رزق ربكم منهما ، والقول مراد فيه محذوف ، وهذا مما يدل على أن الحذف من الصفة كالحذف من الصلة.
وفى الكتاب : يقول : إنه فى الصلة أكثر ، ألا ترى أنه قال : وإنما شبّهوه ـ يعنى حذف الهاء من الخبر ـ بقولهم : الذي رأيت فلان ، حيث لم يذكر الهاء.
وهو فى هذا أحسن ، لأن «رأيت» تمام الاسم وبه يتم ، وليس بخبر ، ولا صفة ، فكرهوا طوله حيث كان بمنزلة اسم واحد ، كما كرهوا طول «اشهيباب» فقالوا : «اشهباب (٣)» وهو فى الوصف أمثل منه فى الخبر.
__________________
(١) النساء : ٥٦.
(٢) سبأ : ١٥.
(٣) الاشهباب والاشهيباب : البياض الذي غلب على السواد.