أجر الذين صبروا ، فحذف المضاف. ويكون «الذين» فى موضع الرفع لقيامه مقام الآخر. ويجوز أن يكون «الذين» فى موضع الجر ؛ والتقدير : فنعم أجر العاملين الصابرين أجرهم ، فحذف المخصوص بالمدح.
ومن ذلك قوله تعالى : (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) (١) أي : سالت مياه أودية. وكذلك قوله تعالى (بِقَدَرِها) يعنى بقدر مياهها. ألا ترى أن المعنى ليس على أنها سالت بقدر أنفسها ؛ لأن أنفسها على حال واحدة ، وإنما تكون كثرة المياه وقلتها ، وشدة جريها ولينه ؛ على قدر قلة المياه المنزلة وكثرتها.
ومن حذف المضاف قوله تعالى : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) (٢) بالتّاء ونصب الباء (٣). والمعنى : هل تستطيع سؤال ربك؟ فحذف المضاف. وذكروا الاستطاعة فى سؤالهم لأنهم شكّوا فى استطاعته ، ولكنهم ذكروه على وجه الاجتماع عليه منهم ، كأنهم قالوا : إنك تستطيع فما يمنعك؟ مثل ذلك قولك لصاحبك : أتستطيع أن تذهب عنّى / فإنى مشغول؟ أي : اذهب لأنك غير عاجز عن ذلك.
وأما «أن» فى قوله : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ) فهو من صلة المصدر المحذوف ، ولا يستقيم الكلام إلا بتقدير ذلك. ألا ترى أنه لا يصلح : هل تستطيع أن يفعل غيرك؟ وإن الاستفهام لا يقع عنه ، كما لا يصح فى الإخبار : أنت تستطيع أن يفعل زيد. «وأن» فى قوله (أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا) (٤) متعلق بالمصدر المحذوف على أنه مفعول به.
__________________
(١) الرعد : ١٧.
(٢) المائدة : ١١٢.
(٣) بالتاء أي بالتاء الأولى في «تستطيع». ونصب الباء ، أي باء «ربك». وهذه قراءة علي ومعاذ وابن عباس وعائشة وابن جبير. (البحر المحيط ٤ : ٥٤).
(٤) المائدة : ١١٢.