وفي هذا المعنى المشبه هو الكافرون الذين لا يفهمون من الدعوة النبوية إلّاصوتاً ودعوة فارغة من المعنى.
والمشبه به : هو الناعق الأصم الذي ينعق بالغنم ، ولكن لا يسمع من نعاقه إلّادعاءً ونداءً.
وهذا الوجه وإن كان ينطبق على ظاهر الآية ، ولكنّه بعيد من حيث المعنى ، إذ لو كان الهدف هو التركيز على أنّ الكافرين صم بكم عمي لا يعقلون لكفى تشبيههم بالحيوان الذي هو أيضاً كذلك ، فما هو الوجه لتشبيههم بإنسان عاقل أخذ منه سمعه لا يسمع من نعاقه إلّاصوتاً ونداءً؟
الثاني : انّ المشبه هو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والمشبه به هو الناعق للغنم ، والمراد ومثلك أيها النبي في دعاء الذين كفروا كمثل الذي ينعق في البهائم التي لا تسمع من نعيقه إلّا دعاءً ونداءً ما ، فتنزجر بمجرد قرع الصوت سمعها من غير ان تعقل شيئاً ، فهم ـ الكافرون ـ صمٌّ لا يسمعون كلاماً يفيدهم ، وبكم لا يتكلمون بما ينفع ، وعمي لا يبصرون ، فهم لا يعقلون شيئاً ، لأنّ الطرق المؤدية إلى التعقل موصدة عليهم.
ومن ذلك ظهر أنّ في الكلام قلباً أو عناية أُخرى يعود إليه ، فانّ المثل بالذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاءً ونداءً مثل الذي يدعوهم إلى الهدى لا مثل الكافرين المدعوين إلى الهدى ، إلّا انّ الأوصاف الثلاثة التي استنتجت واستخرجت من المثل وذكرت بعده ، وهي قوله : (صمٌّ بكمٌ عميٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُون) ، لما كانت أوصافاً للذين كفروا لا لمن يدعوهم إلى الحقّ استوجب ذلك أن ينسب المثل إلى الذين كفروا لا إلى رسول الله تعالى فأنتج ما أشبه القلب. (١)
__________________
(١) الميزان : ١ / ٤٢٠.