إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه سبحانه ضرب في المقام أمثالاً أبطل بها ربوبية الأصنام ، بالبيان التالي : أمّا الذباب ، فهو عندهم أضعف الحيوانات وأوهنها ، ومع ذلك فآلهتهم عاجزون عن خلق الذباب ، وإن سلب الذباب منهم شيئاً لا يستطيعون استنقاذه منه.
فقد روي أنّ العرب كانوا يطلون الأصنام بالزعفران ورؤوسها بالعسل ويغلقون عليها الأبواب ، فيدخل الذباب من الكوى فيأكله ، يقول سبحانه : (يا أَيُّها الناس ضربَ مثل فاستمعوا له انَّ الذينَ تَدعُون مِنْ دُونِ الله) أي يعبدونه والدعاء هنا بمعنى العبادة ، كما في قوله سبحانه : (وَقالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِين) (١) ، فدعاؤه سبحانه عين عبادته كما أنّ دعاء الآلهة المزيّفة ـ بما انّها أرباب عند الداعي ـ عبادة لها.
(لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له) مع صغره وضعفه (وان يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه) كما عرفت من أنّ الذباب ربما يأكل العسل الموجود على رؤوس الأصنام.
(ضعف الطالب والمطلوب) وفيها احتمالات :
الأوّل : انّ المراد من الطالب والمطلوب هو العابد والمعبود ، فالإنسان ضعيف كما هو واضح ، وقال سبحانه : (وَخلق الإنْسان ضعيفاً) والمطلوب ، أعني : الأصنام مثله لأنّه جماد لا يقدر على شيء.
__________________
(١) غافر : ٦٠.