تؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه ، وذلك لأنّ الغرض في المثل تشبيه الخفي بالجلي ، والغائب بالشاهد ، فيتأكد الوقوف على ماهيته ، ويصير الحس مطابقاً للعقل ، وذلك في نهاية الإيضاح ، ألا ترى أنّ الترغيب إذا وقع في الإيمان مجرداً عن ضرب مثل له لم يتأكد وقوعه في القلب كما يتأكد وقوعه إذا مُثِّل بالنور ، وإذا زهد في الكفر بمجرد الذكر لم يتأكد قبحه في العقول ، كما يتأكد إذا مثل بالظلمة ، وإذا أخبر بضعف أمر من الأُمور وضرب مثله بنسج العنكبوت كان ذلك أبلغ في تقرير صورته من الإخبار بضعفه مجرداً ، ولهذا أكثر الله تعالى في كتابه المبين ، وفي سائر كتبه أمثاله ، قال تعالى : (وَتِلْكَ الأَمْثال نَضْرِبها لِلنّاس) (١). (٢)
٥. وقال الشيخ عزالدين عبدالسلام (المتوفّى عام ٦٦٠ ه) : إنّما ضرب الله الأمثال في القرآن ، تذكيراً ووعظاً ، فما اشتمل منها على تفاوت في ثواب ، أو على إحباط عمل ، أو على مدح أو ذم أو نحوه ، فإنّه يدل على الاحكام. (٣)
٦. وقال الزركشي (المتوفّى عام ٧٩٤ ه) : وفي ضرب الأمثال من تقرير المقصود مالا يخفى ، إذ الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي ، والشاهد بالغائب ، فالمرغب في الإيمان مثلاً ، إذا مثّل له بالنور تأكّد في قلبه المقصود ، والمزهَّد في الكفر إذا مثل له بالظلمة تأكد قبحه في نفسه وفيه أيضاً تبكيت الخصم ، وقد أكثر الله تعالى في القرآن ، وفي سائر كتبه من الأمثال. (٤)
لكن يرد على ما ذكره الزمخشري والرازي والزركشي أنّ ما ذكروه راجع إلى
__________________
(١) العنكبوت : ٤٣.
(٢) مفاتيح الغيب : ٢ / ٧٢ ـ ٧٣.
(٣) الإتقان في علوم القرآن : ٢ / ١٠٤١.
(٤) البرهان في علوم القرآن : ١ / ٤٨٨.