وعلى هذا الشعور تسبح الموجودات كلّها ، خالقها وبارئها وربّها سبحانه وتنزهه عن كلّ نقص وعيب.
ثمّ يقول : إنّ العلم والشعور والإدراك كلّ ذلك متحقّق في جميع مراتب الوجود ، ابتداء من «واجب الوجود» إلى النباتات والجمادات ، وانّ لكلّ موجود يتحلّى بالوجود سهماً من الصفات العامة كالعلم والشعور والحياة. و... و... ولا يخلو موجود من ذلك أبداً ، غاية ما في الأمر أنّ هذه الصفات قد تخفى علينا ـ بعض الأحيان ـ لضعفها وضآلتها.
على أنّ موجودات الكون كلما ابتعدت عن المادة والمادية ، واقتربت إلى التجرد ، أو صارت مجردة بالفعل ازدادت فيها هذه الصفات قوة وشدة ووضوحاً ، وكلّما ازدادت اقتراباً من المادة والمادية ، وتعمّقت فيها ، ضعفت فيها هذه الصفات ، وضؤلت حتى تكاد تغيب فيها بالمرّة ، كأنّها تغدو خلوة من العلم والشعور والإدراك ، ولكنّها ليست كذلك ـ كما نتوهم ـ إنّما بلغ فيها ذلك من الضعف ، والضآلة بحيث لا يمكن إدراكها بسهولة وسرعة. (١)
وليست هذه الآية هي الفريدة في بابها ، بل هناك آيات تؤكد على جريان الشعور في أجزاء العالم من الذرة إلى المجرة.
يقول سبحانه : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمواتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) (٢)
وبما انّنا بسطنا الكلام في سريان الشعور إلى أجزاء العالم برمته في الجزء الأوّل من هذه الموسوعة ، فلنقتصر على ذلك ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى محلّه.
__________________
(١) الأسفار : ١ / ١١٨ و ٦ / ١٣٩ ، ١٤٠.
(٢) الإسراء : ٤٤.