يجعل صاحبها كمن لم يذنب ، أو لكثرة المتوب عليهم أو لكثرة ذنوبهم ، روي : أن رجلين من الصحابة بعثا سلمان إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يبغي لهما إداما ، وكان أسامة على طعامه فقال : ما عندي شيء فأخبرهما سلمان فقالا : لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها ، فلما راحا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لهما : «ما لي أرى حضرة اللحم في أفواهكما» ، فقالا : ما تناولنا لحما ، فقال : «إنكما قد اغتبتما» فنزلت.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(١٣)
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) من آدم وحواء عليهماالسلام ، أو خلقنا كل واحد منكم من أب وأم فالكل سواء في ذلك فلا وجه للتفاخر بالنسب. ويجوز أن يكون تقريرا للأخوة المانعة عن الاغتياب. (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ) الشعب الجمع العظيم المنتسبون إلى أصل واحد وهو يجمع القبائل. والقبيلة تجمع العمائر. والعمارة تجمع البطون. والبطن تجمع الأفخاذ. والفخذ يجمع الفضائل ، فخزيمة شعب ، وكنانة قبيلة ، وقريش عمارة ، وقصي بطن ، وهاشم فخذ ، وعباس فصيلة. وقيل الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب. (لِتَعارَفُوا) ليعرف بعضكم بعضا لا للتفاخر بالآباء والقبائل. وقرئ «لتعارفوا» بالإدغام و «لتتعارفوا» و «لتعرفوا». (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) فإن التقوى بها تكمل النفوس وتتفاضل بها الأشخاص ، فمن أراد شرفا فليلتمسه منها كما قال عليه الصلاة والسلام «من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله» وقال عليهالسلام «يا أيها الناس إنما الناس رجلان مؤمن تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين على الله». (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بكم (خَبِيرٌ) ببواطنكم.
(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٤)
(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) نزلت في نفر من بني أسد قدموا المدينة في سنة جدبة وأظهروا الشهادتين ، وكانوا يقولون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أتيناك بالأثقال والعيال ، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان يريدون الصدقة ويمنون. (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) إذ الإيمان تصديق مع ثقة وطمأنينة قلب ، ولم يحصل لكم وإلا لما مننتم على الرسول عليه الصلاة والسلام بالإسلام وترك المقاتلة كما دل عليه آخر السورة. (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) فإن الإسلام انقياد ودخول في السلم وإظهار الشهادتين وترك المحاربة ، يشعر به وكان نظم الكلام أن يقول لا تقولوا آمنا (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) ، أو لم تؤمنوا ولكن أسلمتم فعدل منه إلى هذا النظم احترازا من النهي عن القول بالإيمان والجزم بإسلامهم ، وقد فقد شرط اعتباره شرعا. (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) توقيت ل (قُولُوا) فإنه حال من ضميره أي : (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) ولم تواطئ قلوبكم ألسنتكم بعد. (وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) بالإخلاص وترك النفاق. (لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ) لا ينقصكم من أجورها. (شَيْئاً) من لات يليت ليتا إذا نقص ، وقرأ البصريان «لا يألتكم» من الألت وهو لغة غطفان. (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لما فرط من المطيعين. (رَحِيمٌ) بالتفضل عليهم.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(١٦).