(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ) والذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم بعد قوم نوح كعاد وثمود. (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ) من هؤلاء. (بِرَسُولِهِمْ) وقرئ «برسولها». (لِيَأْخُذُوهُ) ليتمكنوا من إصابته بما أرادوا من تعذيب وقتل من الأخذ بمعنى الأسر. (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ) بما لا حقيقة له. (لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) ليزيلوه به. (فَأَخَذْتُهُمْ) بالإهلاك جزاء لهم. (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) فإنكم تمرون على ديارهم وترون أثره. وهو تقرير فيه تعجيب.
(وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) وعيده أو قضاؤه بالعذاب. (عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) بكفرهم. (أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) بدل من كلمة (رَبِّكَ) بدل الكل أو الاشتمال على إرادة اللفظ أو المعنى.
(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ)(٧)
(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) الكروبيون أعلى طبقات الملائكة وأولهم وجودا وحملهم إياه وحفيفهم حوله مجاز عن حفظهم وتدبيرهم له ، أو كناية عن قربهم من ذي العرش ومكانتهم عنده وتوسطهم في نفاذ أمره. (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) يذكرون الله بمجامع الثناء من صفات الجلال والإكرام ، وجعل التسبيح أصلا والحمد حالا لأن الحمد مقتضى حالهم دون التسبيح. (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) أخبر عنهم بالإيمان إظهارا لفضله وتعظيما لأهله ومساق الآية لذلك كما صرح به بقوله : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) وإشعارا بأن حملة العرش وسكان الفرش في معرفته سواء ردا على المجسمة واستغفارهم شفاعتهم وحملهم على التوبة وإلهامهم ما يوجب المغفرة ، وفيه تنبيه على أن المشاركة في الإيمان توجب النصح والشفقة وإن تخالفت الأجناس لأنها أقوى المناسبات كما قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ). (رَبَّنا) أي يقولون (رَبَّنا) وهو بيان ل (يَسْتَغْفِرُونَ) أو حال. (وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) أي وسعت رحمتك وعلمك فأزيل عن أصله للإغراق في وصفه بالرحمة والعلم والمبالغة في عمومها ، وتقديم الرحمة لأنها المقصودة بالذات ها هنا. (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) للذين علمت منهم التوبة واتباع سبيل الحق. (وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) واحفظهم عنه وهو تصريح بعد إشعار للتأكيد والدلالة على شدة العذاب.
(رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(٩)
(رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ) وعدتهم إياها. (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) عطف على هم الأول أي أدخلهم ومعهم هؤلاء ليتم سرورهم ، أو الثاني لبيان عموم الوعد ، وقرئ «جنة عدن» و «صلح» بالضم و «ذريتهم» بالتوحيد. (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الذي لا يمتنع عليه مقدور. (الْحَكِيمُ) الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه حكمته ومن ذلك الوفاء بالوعد. (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) العقوبات أو جزاء السيئات ، وهو تعميم بعد تخصيص ، أو تخصيص بمن (صَلَحَ) أو المعاصي في الدنيا لقوله : (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ) أي ومن تقها في الدنيا فقد رحمته في الآخرة كأنهم طلبوا السبب بعد ما سألوا المسبب. (وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) يعني الرحمة أو الوقاية أو مجموعهما.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ