فَتَكْفُرُونَ (١٠) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ)(١١)
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ) يوم القيامة فيقال لهم : (لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي لمقت الله إياكم أكبر من مقتكم أنفسكم الأمارة بالسوء. (إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ) ظرف لفعل دل عليه المقت الأول لا له لأنه أخبر عنه ، ولا للثاني لأن مقتهم أنفسهم يوم القيامة حين عاينوا جزاء أعمالهم الخبيثة إلا أن يؤول بنحو : بالصّيف ضيّعت اللّبن. أو تعليل للحكم وزمان المقتين واحد.
(قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ) إماتتين بأن خلقتنا أمواتا أوّلا ثم صيرتنا أمواتا عند انقضاء آجالنا ، فإن الإماتة جعل الشيء عادم الحياة ابتداء أو بتصيير كالتصغير والتكبير ، ولذلك قيل سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل ، وإن خص بالتصيير فاختيار الفاعل المختار أحد مفعوليه تصيير وصرف له عن الآخر. (وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) الإحياءة الأولى وإحياءة البعث. وقيل الإماتة الأولى عند انخرام الأجل والثانية في القبر بعد الإحياء للسؤال والإحياءان ما في القبر والبعث ، إذ المقصود اعترافهم بعد المعاينة بما غفلوا عنه ولم يكترثوا به ولذلك تسبب بقوله : (فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا) فإن اقترافهم لها من اغترارهم بالدنيا وإنكارهم البعث. (فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ) نوع خروج من النار. (مِنْ سَبِيلٍ) طريق فنسلكه وذلك إنما يقولونه من فرط قنوطهم تعللا وتحيرا ولذلك أجيبوا بقوله :
(ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ)(١٣)
(ذلِكُمْ) الذي أنتم فيه. (بِأَنَّهُ) بسبب أنه. (إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ) متحدا أو توحد وحده فحذف الفعل وأقيم مقامه في الحالية. (كَفَرْتُمْ) بالتوحيد. (وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) بالإشراك. (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ) المستحق للعبادة حيث حكم عليكم بالعذاب السرمد الدائم. (الْعَلِيِ) عن أن يشرك به ويسوى بغيره. (الْكَبِيرِ) حيث حكم على من أشرك وسوى به بعض مخلوقاته في استحقاق العبادة بالعذاب السرمد.
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ) الدالة على التوحيد وسائر ما يجب أن يعلم تكميلا لنفوسكم. (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) أسباب رزق كالمطر مراعاة لمعاشكم. (وَما يَتَذَكَّرُ) بالآيات التي هي كالمركوزة في العقول لظهورها المغفول عنها للانهماك في التقليد واتباع الهوى. (إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) يرجع عن الإنكار بالإقبال عليها والتفكر فيها ، فإن الجازم بشيء لا ينظر فيما ينافيه.
(فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ)(١٥)
(فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) من الشرك. (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) إخلاصكم وشق عليهم.
(رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ) خبران آخران للدلالة على علو صمديته من حيث المعقول والمحسوس الدال على تفرده في الألوهية ، فإن من ارتفعت درجات كماله بحيث لا يظهر دونها كمال وكان العرش الذي هو أصل العالم الجسماني في قبضة قدرته لا يصح أن يشرك به ، وقيل الدرجات مراتب المخلوقات أو مصاعد الملائكة إلى العرش أو السموات أو درجات الثواب. وقرئ «رفيع» بالنصب على المدح. (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ) خبر رابع للدلالة على أن الروحانيات أيضا مسخرات لأمره بإظهار آثارها وهو الوحي ، وتمهيد للنبوة بعد تقرير التوحيد والروح الوحي ومن أمره بيانه لأنه أمر بالخير أو مبدؤه والآمر هو الملك المبلغ. (عَلى مَنْ