يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) يختاره للنبوة ، وفيه دليل على أنها عطائية. (لِيُنْذِرَ) غاية الإلقاء والمستكن فيه لله ، أو لمن أو للروح واللام مع القرب تؤيد الثاني. (يَوْمَ التَّلاقِ) يوم القيامة ، فإن فيه تتلاقى الأرواح والأجساد وأهل السماء والأرض أو المعبودون والعباد أو الأعمال والعمال.
(يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (١٦) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ)(١٧)
(يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) خارجون من قبورهم أو ظاهرون لا يسترهم شيء أو ظاهرة نفوسهم لا تحجبهم غواشي الأبدان ، أو أعمالهم وسرائرهم. (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم ، وهو تقرير لقوله (هُمْ بارِزُونَ) وإزاحة لنحو ما يتوهم في الدنيا. (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) حكاية لما يسأل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به ، أو لما دل عليه ظاهر الحال فيه من زوال الأسباب وارتفاع الوسائط ، وأما حقيقة الحال فناطقة بذلك دائما.
(الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) كأنه نتيجة لما سبق ، وتحقيقه أن النفوس تكتسب بالعقائد والأعمال هيئات توجب لذتها وألمها لكنها لا تشعر بها في الدنيا لعوائق تشغلها ، فإذا قامت قيامتها زالت العوائق وأدركت لذتها وألمها. (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) بنقص الثواب وزيادة العقاب. (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) إذ لا يشغله شأن عن شأن فيصل إليهم ما يستحقونه سريعا.
(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ)(١٨)
(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) أي القيامة سميت بها لأزوفها أي قربها ، أو الخطة (الْآزِفَةِ) وهي مشارفتهم النار وقيل الموت. (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) فإنها ترتفع عن أماكنها فتلصق بحلوقهم فلا تعود فيتروحوا ولا تخرج فيستريحوا. (كاظِمِينَ) على الغم حال من أصحاب القلوب على المعنى لأنه على الإضافة ، أو منها أو من ضميرها في لدى وجمعه كذلك لأن الكظم من أفعال العقلاء كقوله : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ). أو من مفعول (أَنْذِرْهُمْ) على أنه حال مقدرة. (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) قريب مشفق. (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) ولا شفيع مشفع ، والضمائر إن كانت للكفار وهو الظاهر كان وضع الظالمين موضع ضميرهم للدلالة على اختصاص ذلك بهم وأنه لظلمهم.
(يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(٢٠)
(يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) النظرة الخائنة كالنظرة الثانية إلى غير المحرم واستراق النظر إليه ، أو خيانة الأعين. (وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) من الضمائر والجملة خبر خامس للدلالة على أنه ما من خفي إلا وهو متعلق العلم والجزاء (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) لأنه المالك الحاكم على الإطلاق فلا يقضي بشيء إلا وهو حقه (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) تهكم بهم لأن الجماد لا يقال فيه إنه يقضي أو لا يقضي. وقرأ نافع وهشام بالتاء على الالتفات أو إضمار قل : (إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) تقرير لعلمه ب (خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) وقضائه بالحق ووعيد لهم على ما يقولون ويفعلون ، وتعريض بحال ما (يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ).
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ