قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٢١) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ)(٢٢)
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ) مآل حال الذين كذبوا الرسل قبلهم كعاد وثمود. (كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) قدرة وتمكنا ، وإنما جيء بالفصل وحقه أن يقع بين معرفتين لمضارعة أفعل من للمعرفة في امتناع دخول اللام عليه. وقرأ ابن عامر «أشد منكم» بالكاف. (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) مثل القلاع والمدائن الحصينة. وقيل المعنى وأكثر آثارا كقوله : متقلدا سيفا ورمحا. (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) يمنع العذاب عنهم.
(ذلِكَ) الأخذ. (بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات أو الأحكام الواضحة. (فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌ) متمكن مما يريده غاية التمكن. (شَدِيدُ الْعِقابِ) لا يؤبه بعقاب دون عقابه.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ(٢٤) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ)(٢٥)
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) يعني المعجزات. (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) وحجة قاهرة ظاهرة ، والعطف لتغاير الوصفين أو لإفراد بعض المعجزات كالعصا تفخيما لشأنه.
(إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ) يعنون موسى عليه الصلاة والسلام ، وفيه تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وبيان لعاقبة من هو أشد الذين كانوا من قبلهم بطشا وأقربهم زمانا.
(فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ، وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ) أي أعيدوا عليهم ما كنتم تفعلون بهم أولا كي يصدوا عن مظاهرة موسى عليهالسلام. (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) في ضياع ، ووضع الظاهر فيه موضع الضمير لتعميم الحكم والدلالة على العلة.
(وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦) وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ)(٢٧)
(وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) كانوا يكفونه عن قتله ويقولون إنه ليس الذي تخافه بل هو ساحر ، ولو قتلته ظن أنك عجزت عن معارضته بالحجة وتعلله بذلك مع كونه سفاكا في أهون شيء دليل على أنه تيقن أنه نبي فخاف من قتله ، أو ظن أنه لو حاوله لم يتيسر له ويؤيده قوله. (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) فإنه تجلد وعدم مبالاة بدعائه. (إِنِّي أَخافُ) إن لم أقتله. (أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) أن يغير ما أنتم عليه من عبادته وعبادة الأصنام لقوله : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ). (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) ما يفسد دنياكم من التحارب والتهارج إن لم يقدر أن يبطل دينكم بالكلية. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بالواو على معنى الجمع ، وابن كثير وابن عامر والكوفيون غير حفص بفتح الياء والهاء ورفع (الْفَسادَ).
(وَقالَ مُوسى) أي لقومه لما سمع بكلامه. (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) صدر الكلام بأن تأكيدا وإشعارا على أن السبب المؤكد في دفع الشر هو العياذ بالله ، وخص اسم الرب لأن المطلوب هو الحفظ والتربية ، وإضافته إليه وإليهم حثا لهم على موافقته لما في تظاهر الأرواح من